صلىاللهعليهوسلم رجلا منهم لم يعطه وهو أعجبهم إليّ فقمت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فساررته. فقلت : مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا. فقال صلىاللهعليهوسلم : أو مسلما ذكر ذلك سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك ثم قال : إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه» (١).
وقال الرازي : المسلم والمؤمن واحد عند أهل السنة. فنقول الفرق بين العام والخاص : أنّ الإيمان لا يحصل إلا بالقلب والانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان فالإسلام أعمّ لكن العامّ في صورة الخاص متحد مع الخاص ، ولا يكون أمرا آخر غيره. مثاله الحيوان في صورة الإنسان أمر لا ينفك عن الإنسان فلا يجوز أن يكون ذلك الحيوان حيوانا ولا يكون إنسانا فالعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود ، وكذلك المؤمن والمسلم ، وسيأتي زيادة على ذلك في الذاريات إن شاء الله تعالى.
وقال الرازي : في الآية إشارة إلى بيان حال المؤلفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم ضعيفا فيقال لهم : لم تؤمنوا لأنّ الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبهم وسيدخل باطلاعهم على محاسن الإسلام انتهى. بل الإيمان دخل في قلوبهم ولكن لم يتألفوا بأهل الإسلام؟.
تنبيه : التعبير بلما يفهم أنهم آمنوا بعد ذلك ويجوز أن يكون المراد بهذا النفي نفي التمكن في القلب لا نفي مطلق الدخول بدليل إنما المؤمنون دون إنما الذين آمنوا (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ) أي : الملك الذي من خالفه لم يأمن عقوبته (وَرَسُولَهُ) أي : الذي طاعته من طاعته على ما أنتم عليه من الأمر الظاهر فتؤمن قلوبكم (لا يَلِتْكُمْ) أي : لا ينقصكم (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) بل يعطيكم ما يليق به من الجزاء لأنّ من حمل إلى ملك فاكهة طيبة قدر ثمنها في السوق درهم فأعطاه الملك درهما انتسب الملك إلى البخل فهو يعطي ما تتوقعون بأعمالكم وزيادة من غير نقص فلا حاجة إلى إخباركم عن إيمانكم بغير ما يدلّ عليه من الأقوال والأفعال.
وقرأ الدوري : عن أبي عمرو بعد الياء التحتية بهمزة ساكنة وأبدلها السوسي ألفا والباقون بغير همز ولا ألف. ولما كان الإنسان مبنيا على النقص وإن اجتهد غاية اجتهاده قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال (غَفُورٌ) أي : ستور للهفوات والزلات لمن تاب وصحت نيته ولغيره إن شاء فلا عتاب ولا عقاب (رَحِيمٌ) أي : يزيد على الستر عظيم الإكرام.
ثم بين تعالى لهم حقيقة الإيمان بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب. قال القشيري : والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس والنفوس لا تموت ولكنها تعيش (الَّذِينَ آمَنُوا) أي : صدّقوا معترفين (بِاللهِ) معتقدين جميع ما له من صفات الكمال (وَرَسُولِهِ) شاهدين برسالته وهذا الإثبات هنا يدل على أن المنفي فيما قبل الكمال المطلق وإلا لقال تعالى إنما الذين آمنوا (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) أي : لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأنّ الإيمان إيقان.
تنبيه : ثم للتراخي في الحكاية كأنه يقول آمنوا ثم أقول شيئا آخر لم يرتابوا ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما نقل النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الحشر والنشر
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٢٧ ، والزكاة حديث ١٤٧٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٥٠.