والشرف والكرم والعظمة على كل كلام قسم وفي جوابه أوجه.
أحدها : قوله تعالى (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ثانيها (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ثالثها : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) رابعها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) خامسها (بَلْ عَجِبُوا) وهو قول كوفيّ قالوا لأنّ معناه قد عجبوا. سادسها : أنه محذوف قدّره الزجاج والمبرد والأخفش لتبعثنّ وغيرهم لقد جاءكم منذر وقدره الجلال المحلي بقوله ما آمن كفار مكة بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
تنبيه : جوابات القسم سبعة إنّ المشدّدة كقوله تعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] وما النافية كقوله تعالى : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) [الضحى : ١ ـ ٣] واللام المفتوحة كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢] وإن الخفيفة كقوله تعالى (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الشعراء : ٩٧] ولا النافية كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨] وقد كقوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس : ١](قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] وبل كقوله تعالى (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ) أي إنّ تكذيبهم ليس لإنكار شيء من مجدك ولا إنكار صدقك.
(بَلْ) لأنهم (عَجِبُوا) أي : الكفار وأضمرهم قبل الذكر إشارة إلى أنه إذا ذكر شيء خارج عن سنن الاستقامة انصرف إليهم العجب تغير النفس لأمر خارج عن العادة (أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي : رسول من أنفسهم يخوّفهم بالنار بعد البعث واقتصر على الإنذار لأنّ المقام لتخويف من قدم بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو منّ عليه بإسلام أو غيره ولتخويف من أنكر البعث والعجب منهم هو العجب لأنّ العادة عندهم وعند جميع الناس أنه إذا كان النذير منهم لم يداخلهم في إنذاره شك بوجه من الوجوه وهؤلاء خالفوا عادة الناس في تعجبهم من كون النذير وهو أحدهم خص بالرسالة دونهم ولم يدركوا وجه الخصوصية لكونه مثلهم فلذلك أنكروا رسالته وفضل كتابه بألسنتهم تعاندا وحسدا لأنهم كانوا معترفين بخصائصه التي رفعه الله تعالى بها عليهم قبل الرسالة فحطهم عجبهم ذلك إلى الحضيض من دركات السفه وخفة الأحلام ، لأنهم عجبوا أن كان الرسول بشرا وأوجبوا أن يكون الإله حجرا ، وعجبوا أن يعادوا من تراب لم يكن له أصل في الحياة ولذلك سبب عنه قوله تعالى : (فَقالَ) أي : بسبب إنذاره بالبعث (الْكافِرُونَ) وصرح به في موضع الإضمار إيذانا بأنهم لم يخف عليهم شيء من أمره ولكنهم ستروا تعدّيا برأي عقولهم الدالة على جميع أمره دلالة ظاهرة وعبر بما دل على النذارة لأنها المقصود الأعظم من هذه السورة وجميع سياق الحجرات ظاهر فيها (هذا) أي كون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا وكون ما أنذر به هو البعث بعد الموت (شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي : بليغ في الخروج عن عادة أشكاله وقد كذبوا في ذلك أما من جهة النذير فإن أكثر الرسل من الطوائف الذين أرسلوا إليهم وقليل منهم من كان غريبا ممن أرسل إليه وأمّا من جهة البعث فإن أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه وإحياء الأرض بعد موتها وإخراج النبات والأشجار والثمار وغير ذلك مما هو ظاهر جدا.
ولما كان المتعجب منه مجملا أوضحه بقوله تعالى حكاية عنهم مبالغين في الإنكار بافتتاح إنكارهم باستفهام إنكاري. (أَإِذا مِتْنا) ففارقت أرواحنا أبداننا (وَكُنَّا تُراباً) لا فرق بينه وبين تراب الأرض ولما كان العامل في الظرف ما تقديره نرجع دل عليه بقوله تعالى دالا بالإشارة بأداة البعد إلى عظيم استبعادهم (ذلِكَ) أي : الأمر الذي في غاية البعد وهو مضمون الخبر برجوعنا