(تُوعَدُونَ) أي : وقع الوعد لكم به في الدنيا يجوز فيه وجهان.
أحدهما : أن يكون معترضا بين البدل والمبدل منه وذلك أنّ (لِكُلِّ أَوَّابٍ) أي : رجاع إلى طاعة الله تعالى بدل من المتقين بإعادة العامل.
ثانيهما : أن يكون منصوبا بقول مضمر ذلك القول منصوب على الحال أي مقولا لهم. وقرأ ابن كثير : بالياء على الغيبة. والباقون : بالتاء على الخطاب ونسب أبو حيان قراءة الياء لابن كثير ولأبي عمرو وإنما هي لابن كثير فقط. وقال سعيد بن المسيب : الأوّاب هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبيّ ومجاهد هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء : هو المسبح من قوله تعالى (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] وقال قتادة : هو المصلي. وقوله تعالى (حَفِيظٍ) اختلف فيه. فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا : الحفيظ لأمر الله. وقال قتادة : الحفيظ لما استودعه الله تعالى من حقه. والأوّاب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ.
ثم أبدل من كلّ تتميما لبيان المتقين قوله تعالى : (مَنْ خَشِيَ) أي : خاف ونبه على كثرة خشيته بقوله تعالى : (الرَّحْمنَ) لأنه إذا خافه مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى وقال القشيري : التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع ، قال : ولذلك لم يقل الجبار أو القهار. ويقال الخشية ألطف من الخوف فكأنها قريبة من الهيبة وقوله تعالى : (بِالْغَيْبِ) حال أي غائبا عنه فيحتمل أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول أو منهما. وقيل الباء للمصاحبة أي مصاحب له من غير أن يطلب آية أو أمرا يصير به إلى حد المكاشفة بل استغنى بالبراهين القطيعة التي منها أنه مربوب وهو أيضا بيان لبليغ خشيته ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب ومعنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ولم يره.
وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. وقال الحسن : إذا أرخى الستور وأغلق الباب. وقوله تعالى (وَجاءَ) أي : بعد الموت (بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أي : راجع إلى الله تعالى صفة مدح لأنّ شأن الخائف أن يهرب فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفرار منه والباء في (بِقَلْبٍ) إما للتعدية وإما للمصاحبة وإما للسببية ، والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤] من الشرك والضمير في قوله تعالى.
(ادْخُلُوها) عائد إلى الجنة وقوله تعالى : (بِسَلامٍ) حال من فاعل ادخلوها أي سالمين من العذاب والهموم فهي حال مقارنة أو بسلام من الله تعالى وملائكته عليهم فهي حال مقدرة كقوله تعالى (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] كذا قيل. قال ابن عادل : وفيه نظر إذ لا مانع من مقارنة تسليم الملائكة عليهم حال الدخول بخلاف فادخلوها خالدين فإنه لا يعقل الخلود إلا بعد الدخول (ذلِكَ) أي : اليوم الذي حصل فيه الدخول (يَوْمُ الْخُلُودِ) أي : الدوام في الجنة الذي لا آخر له ولا نفاد لشيء من لذاته أصلا ولذلك وصل به قوله تعالى جوابا لمن قال على أيّ وجه خلودهم. (لَهُمْ) بظواهرهم وبواطنهم (ما يَشاؤُنَ) أي : تتجدد مشيئتهم أو يمكن مشيئتهم له (فِيها) أي : الجنة (وَلَدَيْنا) أي : عندنا من الأمور التي هي في غاية الغرابة عندهم وإن كان كل ما عندهم