إلى سليمان ، فعلم (١) أنّه مفتون ، فلم يدر ما يفعل ، كلّما قال : أنا سليمان بن داود استهزأ النّاس به ، وسخروا منه (٢) ، وطردوه وشتموه ، وجعل آصف يقول : أقسم بالله ، لقد بلي سليمان بأمر عظيم ، وذلك أنّ (٣) ثرى الطيّب قد نفرت ، فلسنا نسمع لها حسّا ، قالوا : قال ابن عبّاس رضي الله عنه : إنّ صخرا الجنّي لم يقدر على امرأة من نسائه (٤) ولا على شيء من ماله وخدمه وحشمه ، وإنّما كان جالسا على ذلك الكرسيّ ، فلمّا لم يدخل على النّساء أنكرن (٥) ذلك منه ، وعلمن أنّه (٢٨٥ و) ليس سليمان على الكرسيّ ، وكانوا يهابونه أن يعترضوا حتى دخل سليمان عليهالسلام قرية (٦) من القرى ، وفي تلك (٧) القرية بيت ملك ، فجعل سليمان يقول : أيّها النّاس ، أطعموني شيئا من الطّعام ، فأيّكم أطعمني ، وأشبع جوعي فله عليّ أنّ إعطاءه كذا وكذا إن ردّ الله عليّ ملكي ، فإنّي أنا سليمان بن داود نزع الله منّي ملكي ، وجعله لعدوّ من أعدائي بسبب خطيئة أتيتها ، وأنا أرجو ربّي أن يردّ عليّ ملكي ، قال : فأشرفت عليه تلك الجارية ، فقالت : يا هذا ، إنّا رأينا الكاذبين فما رأينا أكذب على الله منك ، أتزعم أنّك سليمان مع هذه الخلقة الوحشيّة ، وسليمان (٨) في منزلة على كرسيّة ، اخرج من قريتنا وإلا أمرت بدوس بطنك يا كذا (٩) وكذا ، فقال سليمان : إلهي وسيّدي ، إنّك قد ابتليت الأنبياء من قبل غير أنّك لم تحبس عنهم رزقك ، ولم تلق لهم البغضاء في قلوب النّاس ، إلهي وسيّدي ، أسألك وأرجوك ولا أرجو سواك ، فاعف عنّي ، واغفر لي ، فإنّي لا أعود لشيء كرهته منّي ، فلم يزل كذلك أربعين يوما ، ثمّ إنّه وجد قرصا يابسا ، فلم يقدر على كسره ، فأتى ساحل البحر ليبلّ ذلك القرص ، ثمّ يأكله ، فجاءت موجة فحملت ذلك القرص ومرّت به ، فقال : إلهي وسيدي ، رزقتني قرصا من طعام على رأس أربعين يوما ، فانتزعه البحر منّي ، إلهي وسيّدي ، أنت المتكفّل ، يا رزّاق العباد ، وأنا عبدك المذنب فلا تحبس عنّي رزقك ، فإنّك أنت الرّزاق الكريم ، وجعل يمشي على البحر ، وهو يبكي ، فإذا هو بقوم صيّادين ، فسألهم أن يطعموه سمكة ، فقالوا : انصرف منا (١٠) ، فما رأينا أقبح منك وجها ، فقال سليمان : وما عليكم من قبحي ، إنّما سألتكم سمكة أسدّ بها جوعي ، قالوا : وحقّ نبيّ الله
__________________
(١) زيادة من ع ، وهي ساقطة من الأصل وك وأ.
(٢) الأصل وك وأ : معه.
(٣) الأصل وك وأ : أنا.
(٤) الأصل وأ : نساءه.
(٥) ساقطة من أ.
(٦) أ : قومه.
(٧) الأصول المخطوطة : ذلك.
(٨) الأصل وك : السليمان ، وأ : لسليمان.
(٩) ع : بكذا.
(١٠) ك وع : عنا.