سليمان ، لئن لم ترجع قمنا إليك ، وضربناك ، فلمّا رآهم يحلفون باسمه ، أما إنّكم لو علمتم من أنا لأطعمتموني قالوا : من أنت (١)؟ قال : أنا سليمان ، فجعلوا يضحكون ويتغامزون به ، ثمّ أقبل عليه بعض القوم ، فضربه بعصا كانت في يده ، وقال : مثلك (٢) يزعم أنّه سليمان النّبيّ ، فبكى سليمان ، وبكت الملائكة في السماوات ، قالوا : إلهنا وسيّدنا ، عبدك ونبيّك أذنب ذنبا ، وأنت الغفور الرّحيم ، فقال الله تبارك وتعالى : ملائكي (٣) ، هذه بليّة الرّحمة ، وليست بليّة العذاب ، وسأردّ عليه ملكه ، وأظهره على عدوّه ، وأنا الذي لا أخلف الميعاد ، ثمّ إنّ الله ألقى في قلوب الصّيّادين رحمة عليه ، فقالوا : يا هذا ، لقد قرّحت قلوبنا ببكائك ، وإنّك لفي موضع رحمة ، خذ هذه السّمكة وهذه السّكين ، فشقّها بها ، واغسلها وأت بها إلى هذه النّار ، فاشوها ، فأخذ سليمان تلك السّمكة ، فلمّا شقّ بطنها وجد خاتمه ، فتختم به سريعا ، وسمع الأصوات من كل جانب (٢٨٥ ظ) لبيك يا ابن داود ، ومضى يريد قصره ، فجعل يمرّ بتلك القرى ، التي كانوا يطردونه منها إذا نظروا إليه تعادوا إليه ، وخرّوا سجّدا ، وبلغ ذلك صخر الجنّيّ فهرب ، وأقبل سليمان عليهالسلام حتى دخل إلى قصره ، واجتمعت عليه الإنس والجنّ ، والوحش والسّباع ، والطّير والهوام ، ووفقه الله تعالى ليزداد لربّه عبادة وذكرا وخشوعا ، ثمّ بعث العفاريت في طلب صخر الجنّيّ ، فطلبوه حتى قدروا عليه ، فأمر سليمان بأن ينقر له بين صخرتين ، وصفّده بالحديد ، وألقاه بين الصخرتين (٤) ، وأمر الشياطين بأن سدّوا عليه الصخرتين بالحديد ، ثمّ أمر أن يلقى في بحيرة الطّبريّة. (٥)
٤٥ ـ (أُولِي الْأَيْدِي) : القوة (٦) أو الصّنائع (٧) ، إن شاء الله.
٤٦ ـ (ذِكْرَى الدَّارِ) : ذكراهم دار الآخرة ، (٨) وهي إيمانهم بالبعث والثّواب والعقاب ، فمعنى الآية : وقضاهم بهذه الخصلة الخالصة.
٤٨ ـ (وَكُلٌّ) : لعطف الجملة.
__________________
(١) ساقطة من ك.
(٢) أ : ملك.
(٣) ك : لائكي.
(٤) أ : الصخر.
(٥) حاش لله سبحانه وتعالى أن يفعل هذا الفعل بنبي من أنبيائه عليهمالسلام ، فالله أكرم من ذلك ، وأنبياء الله أعز وأكرم من هذا المهانة والذل ، فسليمان عليهالسلام معصوم من أن يخالف أمر الله تعالى ، وأن يتزوج امرأة منهي عليه زواجها ، وإنما هذه القصة مختلقة مكذوبة ، ولو نزه المؤلف كتابه عنها ، وعما شابهها لكان أفضل ، بل لو نبه على ضعفها أو وضعها لكان خيرا.
(٦) معاني القرآن للفراء ٢ / ٤٠٦ ، وزاد المسير ٧ / ٣٢.
(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ١٠٠.
(٨) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٣٦ ، وزاد المسير ٧ / ٣٢ ، والكشاف ٤ / ١٠١.