في موضع حال من الشمس والقمر أو مستأنفا ، فإن قيل : لفظ كلّ ويسبحون جمع ، فكيف يعني الشمس والقمر وهما اثنان؟ فالجواب : أنه أراد جنس مطالعها كل يوم وليلة ، وهي كثيرة قاله الزمخشري وقال القزنوي : أراد الشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة ، وعبر عنهما بضمير الجماعة العقلاء في قوله : يسبحون ، لأنه وصفهم بفعل العقلاء وهو السبح ، فإن قيل : كيف قال في فلك ، وهي أفلاك كثيرة؟ فالجواب أنه أراد كل واحد يسبح في فلكه ، وذلك كقولهم : كساهم الأمير حلة أي كسا كل واحد منهم حلة ، ومعنى الفلك جسم مستدير ، وقال بعض المفسرين : إنه من موج ، وذلك بعيد ، والحق أنه لا يعلم صفته وكيفيته إلا بإخبار صحيح عن الشارع ، وذلك غير موجود ، ومعنى يسبحون يجرون ، أو يدورون ، وهو مستعار من السبح بمعنى العوم في الماء ، وقوله : كل في فلك من المقلوب الذي يقرأ من الطرفين.
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) سببها أن الكفار طعنوا على النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه بشر يموت ، وقيل : إنهم تمنوا موته ليشتموا به ، وهذا أنسب لما بعده (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) موضع دخول الهمزة فهم الخالدون وتقدمت لأن الاستفهام له صدر الكلام (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي كل نفس مخلوقة لا بدّ لها أن تذوق الموت ، والذوق هنا استعارة (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) أي نختبركم بالفقر والغنى والصحة والمرض وغير ذلك من أحوال الدنيا ، ليظهر الصبر على الشر والشكر على الخير ، أو خلاف ذلك (فِتْنَةً) مصدر من معنى نبلوكم (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي يذكرهم بالذم دلت على ذلك قرينة الحال ، فإن الذكر قد يكون بذمّ أو مدح ، والجملة تفسير للهزء أي يقولون : أهذا الذي (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) الجملة في موضع الحال أي كيف ينكرون ذمّك لآلهتهم وهم يكفرون بالرحمن ، فهم أحق بالملامة ، وقيل : معنى بذكر الرحمن تسميته بهذا الاسم ، لأنهم أنكروها ، والأول أغرق في ضلالهم (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) خلق شديد الاستعجال وجاءت هذه العبارة للمبالغة : كقولهم خلق حاتم من جود ، والإنسان هنا جنس ، وسبب الآية : أن الكفار استعجلوا الآيات التي اقترحوها والعذاب الذي طلبوه ، فذكر الله هذا توطئة لقوله : فلا تستعجلون ، وقيل : المراد هنا آدم ، لأنه لما وصلت الروح إلى صدره أراد أن يقوم. وهذا ضعيف ، وقيل من عجل : أي من طين ، وهذا أضعف (سَأُرِيكُمْ آياتِي) وعيد وجواب على ما طلبوه من التعجيل (وَيَقُولُونَ) الآية : تفسير لاستعجالهم (الْوَعْدُ) القيامة وقيل : نزول العذاب بهم (لَوْ يَعْلَمُ) جواب لو محذوف (حِينَ) مفعول به ليعلموا : أي لو يعلمون الوقت الذي يحيط بهم العذاب لآمنوا وما استعجلوا