هو التوسع دون القيام ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا (١) وقد اختلف في هذا النهي عن القيام من المجلس لأحد هل هو على التحريم أو الكراهة (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) أي يوسع لكم في جنته ورحمته (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) (٢) أي إذا قيل لكم : ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك ، واختلف في هذا النشوز المأمور به فقيل : إذا دعوا إلى قتال أو صلاة أو فعل طاعة ، وقيل : إذا أمروا بالقيام من مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنه كان يحب الانفراد أحيانا ، وربما جلس قوم حتى يؤمروا بالقيام ، وقيل : المراد القيام في المجلس للتوسع.
(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فيها قولان أحدهما : يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فقوله : والذين أوتوا العلم درجات صفة للذين آمنوا كقوله : جاءني العاقل الكريم وأنت تريد رجلا واحدا ، والثاني : يرفع الله المؤمنين والعلماء الصنفين جميعا درجات ، فالدرجات على الأول للمؤمنين بشرط أن يكونوا علماء ، وعلى الثاني للمؤمنين الذين ليسوا علماء ، وللعلماء أيضا ولكن بين درجات العلماء وغيرهم تفاوت يوجد في موضع آخر كقوله صلىاللهعليهوسلم «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» (٣) ، وقوله عليه الصلاة والسلام «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم (٤) رجلا» وقوله عليهالسلام : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» (٥) فإذا كان لهم فضل على العابدين والشهداء ، فما ظنك بفضلهم على سائر المؤمنين (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال ابن عباس : سببها أن قوما من شبان المسلمين كثرت مناجاتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في غير حاجة ، لتظهر منزلتهم ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم سمحا لا يرد أحدا ، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة ، وقيل : سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذه الآية منسوخة باتفاق نسخها قوله بعدها
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية : فأباح الله لهم المناجاة دون تقديم صدقة ، بعد أن كان أوجب تقديم
__________________
(١). ورد الحديث في مسند أحمد عن ابن عمر ج ٢ ص ٢٢ ونصه : لا يقيم الرجل الرجل عند مقعده ثم يقعد فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا.
(٢). قرأ نافع وحفص وابن عامر : فانشزوا بضم الشين وقرأ الباقون فانشزوا بكسرها. وهما لغتان.
(٣). حديث فضل العالم على العابد رواه أحمد عن أبي الدرداء ج ٥ ص ١٩٦.
(٤). وحديث فضل العالم.. كفضلي على أدناكم : في الإحياء عزاه للترمذي عن أبي أمامة.
(٥). حديث يشفع يوم القيامة.. قال في الإحياء : رواه ابن ماجة عن عثمان بإسناد ضعيف.