انتهوا) وهو قد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم فكأنه قال : «إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم» فأضمر. كما قال (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر) [الآية ١٩٦] أي : فعليه ما استيسر كما تقول «زيدا أكرمت» وأنت تريد «أكرمته» وكما تقول «إلى من تقصد أقصد» تريد «إليه».
وأما قوله (فإن أحصرتم) [الآية ١٩٦] فلأنك تقول : «أحصرني بولي» و «أحصرني مرضي» أي : جعلني أحصر نفسي. وتقول : «حصرت الرجل» أي : حبسته ، فهو «محصور». وزعم يونس (١) عن أبي عمرو (٢) أنه يقول : «حصرته إذا منعته عن كلّ وجه» وإذا منعته من التقدم خاصة فقد «أحصرته» ، ويقول بعض العرب في المرض وما أشبهه من الإعياء والكلال : «أحصرته».
وقال (ففدية مّن صيام) [الآية ١٩٦] أي : فعليه فدية.
وقال (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) [الآية ١٩٦] فإنما قال (عشرة كاملة) [الآية ١٩٦] وقد ذكر سبعة وثلاثة ليخبر أنها مجزية ، وليس ليخبر عن عدتها ، ألا ترى أن قوله (كاملة) [البقرة : الآية ١٩٦] إنما هي «وافية».
وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعود (٣) : (تسع وتسعون نعجة أنثى) وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه كما قال (فسجد الملئكة كلّهم أجمعون) (٣٠) [الحجر : الآية ٣٠]. وقد يستغنى بأحدهما ، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب. ألا ترى أنك تقول : «رأيت أخويك كليهما» ولو قلت : «رأيت أخويك» استغنيت فتجيء ب «كليهما» توكيدا. وقال بعضهم في قول ابن مسعود «أنثى» أنه إنما أراد «مؤنّثة» يصفها بذلك لأن ذلك قد يستحب من النساء.
__________________
(١) يونس : هو يونس بن حبيب ، تقدمت ترجمته.
(٢) أبو عمرو : هو أبو عمرو بن العلاء ، زبان بن العلاء بن عمار بن الريان المازني البصري ، أكثر القراء السبعة شيوخا ، أخذ القراءة عن أنس بن مالك ، وحميد بن قيس الأعرج ، وسعيد بن جبير ، وشيبة بن نصاح ، وأبي العالية ، وعاصم بن أبي النجود ، وعبد الله بن كثير المكي ، وعطاء ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وغيرهم. وروى عنه كثير ، منهم : عبد الله بن المبارك ، ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهما ، ولد بمكة سنة ٦٨ ه ، وتوفي سنة ١٥٤ ه. (شذرات الذهب ١ / ٢٣٧ ، غاية النهاية ١ / ٢٨٨).
(٣) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود ، تقدمت ترجمته.