وقال : (ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو) [الآية ٢١٩] إذا جعلت (ماذا) بمنزلة «ما». وإن جعلت (ماذا) بمنزلة «الذي» قلت : (قل العفو) [الآية ٢١٩] والأولى منصوبة وهذه مرفوعة كأنه قال : «ما الذي ينفقون» فقال : «الذي ينفقون العفو». وإذا نصبت فكأنه قال : «ما ينفقون» فقال : «ينفقون العفو» لأن «ما» إذا لم تجعل بمنزلة «الذي» ف «العفو» منصوب ب «ينفقون». وإن جعلت بمنزلة «الذي» فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال (مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين) [النّحل : الآية ٢٤] جعل (ماذا) بمنزلة «الذي» وقال (ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرا) [النّحل : الآية ٣٠] جعل (ماذا) بمنزلة «ما». وقد يكون إذا جعلها بمنزلة «ما» وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له : «ما صنعت»؟ فقال : «خير» ، أي : الذي صنعت خير ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت «ذا» بمنزلة «الذي» كان أيضا جيدا لأنه لو قيل لك : «ما الذي صنعت»؟ فقلت : «خيرا» أي : صنعت خيرا ، كان صوابا. قال الشاعر : [الوافر]
دعي ماذا علمت سأتّقيه |
|
ولكن بالمغيّب نبّئيني (١) |
جعل «ما» و «ذا» بمنزلة «ما» وحدها ، ولا يجوز أن يكون «ذا» بمنزلة «الذي» في هذا البيت لأنك لو قلت : «دعي ما الذي علمت» لم يكن كلاما. وقال أهل التأويل في قوله (مّاذا أنزل ربّكم قالوا أسطير الأوّلين) [النّحل : الآية ٢٤] لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم : «ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين» أي : «الذي تقولون أنتم أساطير الأولين» ليس على «أنزل ربّنا أساطير الأولين». وهذا المعنى فيما نرى ـ والله أعلم ـ كما قال (وإن تخالطوهم فإخوانكم) [الآية ٢٢٠] أي : فهم إخوانكم.
قال (ويسئلونك عن المحيض) [الآية ٢٢٢] وهو : الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به «المفعل» نحو قولك : «ما في برّك مكال» أي : كيل. وقد قيلت الأخرى أي : قيل «مكيل» وهو مثل «محيض» من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر : [الكامل]
١٤٢ ـ بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة |
|
لا يستطيع بها القراد مقيلا (٢) |
__________________
(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٣٠.
(٢) البيت للراعي النميري في ديوانه ص ٢٤١ ، والحيوان ٥ / ٤٣٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٢ ، وشرح اختيارات المفضّل ص ٢٥٠ ، ٩٨٣ ، والكتاب ٤ / ٨٩ ، ولسان العرب (حبس) ، (زلل) ، وتاج العروس (زلل).