كلام مبتدأ لأنّ قوله : «إنّ زيدا منطلق» و «زيد منطلق» من غير أن يكون فيه «إنّ» في المعنى سواء ، فإن شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت : «إنّ زيدا منطلق وعمرو». ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن وأكثر. وقال بعضهم : «لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله ، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو (الّذين هادوا) [الآية ٤٦] أجراه عليه فرفعه به وإن كان ليس عليه في المعنى» ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني ، منها قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» وقولهم «كذب عليكم الحجّ» يرفعون «الحجّ» ب «كذب» ، وإنما معناه «عليكم الحجّ» نصب بأمرهم. وتقول : «هذا حبّ رمّاني» فتضيف «الرّمّان» إليك وإنّما لك «الحبّ» وليس لك «الرّمّان». فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه.
وقال (ثمّ عموا وصمّوا كثير مّنهم) [المائدة : الآية ٧١] ولم يقل «ثمّ عمي وصمّ» وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم أنهم عموا وصمّوا ، ثم فسركم صنع ذلك منهم كما تقول «رأيت قومك ثلثيهم» ومثل ذلك (وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا) [الأنبياء : الآية ٣] وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون «أكلوني البراغيث» كما قال : [الطويل]
١٨٥ ـ ولكن ديافيّ أبوه وأمه |
|
بحوران يعصرن السّليط أقاربه (١) |
وقال (لّقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلثة) [الآية ٧٣] وذلك أنهم جعلوا معه «عيسى» و «مريم». كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل «ثالث ثلاثة» كما قال (ثانى اثنين) [التّوبة : الآية ٤٠] وإنما كان معه واحد. ومن قال : «ثالث اثنين» دخل عليه أن يقول : «ثاني واحد». وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر : [الوافر]
١٨٦ ـ ولكن لا أخون الجار حتّى |
|
يزيل الله ثالثة الأثافي (٢) |
__________________
(١) البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٤٦ ، والاشتقاق ص ٢٤٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٦٣ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٧ / ٣٤٦ ، والدرر ٢ / ٢٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٦ ، ٦٢٦ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٩ ، ٧ / ٧ ، والكتاب ٢ / ٤٠ ، ولسان العرب (سلط) ، (دوف) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٥٠ ، والخزانة ٧ / ٤٤٦ ، ١١ / ٣٧٣ ، والخصائص ٢ / ١٩٤ ، ورصف المباني ص ١٩ ، ٣٣٢ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٤٦ ، ولسان العرب (خطأ) ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.