لأن جواب الأمر جزم فجعلها من «ضار» «يضير». وقال بعضهم (يضرّكم) [الآية ١٢٠] و (يضرّكم) [الآية ١٢٠] فجعل الموضع جزما فيهما جميعا ، إلا أنه حرك لأن الراء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم إسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك (لا يضرّكم) [الآية ١٢٠] رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله (عليكم أنفسكم) [الآية ١٠٥] وإنما أخبر أنه لا يضرّهم.
وقال (شهدة بينكم) [الآية ١٠٦] ثم قال (اثنان ذوا عدل مّنكم) [الآية ١٠٦] أي : شهادة بينكم شهادة اثنين. فلما ألقى «الشهادة» قام «الاثنان» مقامها وارتفعا بارتفاعها كما قال (وسئل القرية) [يوسف : الآية ٨٢] يريد : أهل القرية. وانتصب (القرية) بانتصاب «الأهل» وقامت مقامه. ثم عطف (أوءاخران) [الآية ١٠٦] على «الاثنين».
وقال (من الّذين استحقّ عليهم الأولين) [الآية ١٠٧] أي : من الأوّلين الذين استحقّ عليهم. وقال بعضهم (الأوليان) وبها نقرأ. لأنّه حين قال (يقومان مقامهما من الّذين استحقّ عليهم) [الآية ١٠٧] كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال (الأولين) [الآية ١٠٧] فأجرى المعرفة عليهما بدلا. ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز :
١٨٧ ـ عليّ يوم تملك الأمورا |
|
صوم شهور وجبت نذورا |
وبدنا مقلّدا منحورا (١) |
فجعله على «أوجب» لأنه في معنى «قد أوجب».
وقال (قال عيسى ابن مريم الّلهمّ ربّنا أنزل علينا مآئدة مّن السّمآء تكون لنا عيدا لّأوّلنا وءاخرنا) [الآية ١١٤] فجعل (تكون) من صفة «المائدة» كما قال (فهب لى من لّدنك وليّا (٥) يرثنى) [مريم : ٥ ، ٦] رفع إذا جعله صفة وجزم إذا جعلته جوابا كما تقول : «أعطني ثوبا يسعني» إذا أردت واسعا و «يسعني» إذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك.
وقال (وءاية مّنك) [الآية ١١٤] عطف على «العيد» كأنه قال : «يكون عيدا وآية» وذكر أن قراءة ابن مسعود (٢) (تكن لنا عيدا).
__________________
(١) الرجز لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود ، تقدمت ترجمته.