فصبّحت والطّير لم تكلّم |
|
جابية طمّت بسيل مفعم (١) |
وقال (لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه) [الآية ٢٦] أي : لا تطيعوه. كما تقول «سمعت لك» وهو ـ والله اعلم ـ على وجه «لا تسمعوا القرآن». وقال (وألغوا فيه) [الآية ٢٦] لأنها من «لغوت» «يلغا» مثل «محوت» «يمحا» وقال بعضهم (والغوا فيه) [الآية ٢٦] وقال «لغوت» «تلغو» مثل «محوت» «تمحو» وبعض العرب يقول : «لغي» «يلغى» وهي قبيحة قليلة ولكن «لغي بكذا وكذا» أي : أغري به فهو يقوله ونصنعه.
وقال (ذلك جزاء أعداء الله النّار) [الآية ٢٨] رفع على الابتداء كأنه تفسيرا للجزاء.
وقال (لا تخافوا) [الآية ٣٠] يقول : بأن لا تخافوا.
وقال (نزلا) [الآية ٣٢] لأنه شغل (لكم) ب (ما تشتهى أنفسكم) [الآية ٣١] حتى صارت بمنزلة الفاعل وهو معرفة وقوله (نزلا) ينتصب على «نزّلنا نزلا» نحو قوله (رحمة مّن رّبّك) [الإسراء : الآية ٢٨].
وقال (ولا تستوى الحسنة ولا السّيّئة) [الآية ٣٤] وقد يجوز ، لأنك تقول : «لا يستوي عبد الله ولا زيد» إذا أردت : «لا يستوي عبد الله وزيد» لأنهما جميعا لا يستويان. وإن شئت قلت إن الثانية زائدة تريد : لا يستوي عبد الله وزيد. فزيدت لا توكيدا كما قال (لّئلّا يعلم أهل الكتب) [الحديد : الآية ٢٩] أي : لأن يعلم. وكما قال (لا اقسم بيوم القيامة) [القيامة : ١].
وقال (إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جآءهم) [الآية ٤١] فزعم بعض المفسرين أن خبره (أولئك ينادون من مّكان بعيد) [الآية ٤٤] وقد يجوز أن يكون على الأخبار التي في القرآن يستغنى بها كما استغنت أشياء عن الخبر إذ طال الكلام وعرف المعنى نحو قوله (ولو أنّ قرءانا سيّرت به الجبال) [الرّعد : الآية ٣١] وما أشبهه. وحدثنى شيخ من أهل العلم قال : «سمعت عيسى بن عمر (٢) يسأل عمرو بن عبيد (٣) : (إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جآءهم) [الآية ٤١] أين خبره؟» فقال عمرو :
__________________
(١) تقدم الرجز مع تخريجه برقم ٢٣٥.
(٢) عيسى بن عمر : تقدمت ترجمته.
(٣) عمرو بن عبيد : هو عمرو بن عبيد بن باب التيمي ، أبو عثمان البصري ، شيخ المعتزلة في عصره ـ