تنبت الأرض) [الآية ٦١] شيئا ، ولم يذكر الشيء وإن شئت جعلته على قولك : «ما رأيت من أحد» تريد : ما رأيت أحدا ، و «هل جاءك من رجل» تريد : هل جاءك رجل. فإن قلت : «إنما يكون هذا في النفي والاستفهام» فقد جاء في غير ذلك ، وقال (ويكفّر عنكم من سيّئاتكم) [البقرة : ٢٧١] فهذا ليس باستفهام ولا نفي. وتقول : «زيد من أفضلها» تريد : هو أفضلها ، وتقول العرب : «قد كان من حديث فخلّ عنّي حتّى أذهب» يريدون : قد كان حديث. ونظيره قولهم : «هل لك في كذا وكذا» ولا يقولون : «حاجة ، و: لا عليك» يريدون : لا بأس عليك.
وأما قوله (اهبطوا مصرا) [الآية ٦١] وقال (ادخلوا مصر إن شآء الله) [يوسف : الآية ٩٩] فزعم بعض الناس أنه يعني فيهما جميعا «مصر» بعينها ، ولكن ما كان من اسم مؤنث على هذا النحو «هند» و «جمل» فمن العرب من يصرفه ومنهم من لا يصرفه. وقال بعضهم : «أما التي في «يوسف» فيعني بها «مصر» بعينها ، والتي في «البقرة» يعني بها مصرا من الأمصار».
وأما قوله (وبآءو بغضب مّن الله) [الآية ٦١] يقول : «رجعوا به» أي صار عليهم ، وتقول «باء بذنبه يبوء بوءا». وقال (إني اريد أن تبوء بإثمي وإثمك) مثله.
باب من تفسير الهمز
أما قوله (الله ويقتلون النّبين بغير الحقّ) [الآية ٦١] و (ويقتلون الأنبياء) [آل عمران : الآية ١١٢] كل ذلك جماعة العرب تقوله. ومنهم من يقول «النّباء» أولئك الذين يهمزون «النبىء» فيجعلونه مثل «عريف» و «عرفاء». والذين لم يهمزوه جعلوه مثل بنات الياء فصار مثل «وصيّ» و «أوصياء» ويقولون ايضا : «هم وصيّون». وذلك أن العرب تحوّل الشيء من الهمزة حتى يصير كبنات الياء ، يجتمعون على ترك همزة نحو «المنسأة» ولا يكاد أحد يهمزها إلا في القرآن ، فإن أكثرهم قرأها بالهمز وبها نقرأ ، وهي من «نسأت». وجاء ما كان من «رأيت» على «يفعل» أو «تفعل» أو «نفعل» أو «أفعل» غير مهموز ، وذلك أن الحرف الذي كان قبل الهمزة ساكن ، فحذفت الهمزة وحرك الحرف الذي قبلها بحركتها كما تقول : «من أبوك». قال (أفتمرونه على ما يرى) (١٢) [النّجم : الآية ١٢] وقال (لترونّ الجحيم) (٦) [التّكاثر : الآية ٦] وقال (إني أرى ما ترون) [الأنفال : ٤٨] وقال (إنّا لنراك فى ضلل مّبين) [الأعراف : الآية ٦٠]. وأما قوله (أرءيت الّذى يكذّب بالدّين) (١) [الماعون : الآية ١]