العرى (١) فقدّروا مكانته حقّ قدرها وأجروا الرواتب له ولتلاميذه ، وخصّصوا له جامع «براثا» في منطقة الكرخ لوعظه واقامة الصلاة جمعة وجماعة ، وله معهم نوادر وقضايا منشورة ومشهورة.
توجّهت إليه جماعة الامامية وانقادوا لرئاسته الدينية يوم كانت بغداد تموج بالفتن ، قد أكلت قواهم الاحن ، والشيعة يومئذ شيع وأحزاب تمزّقت شرّ ممزق ، وتفرّقت الى ميمنة وعينية ، وغلاة ومخمسة وزيدية واسماعيلية و... ، فجمع المفيد بحسن سياسته آرائهم الى الوسط الذي يرجع اليه الغالي ويلحق به التالي ، فاستعمل الرأي السديد وقبض على أمر الجماعة بيد من حديد ، فلمّ شملهم بعد البداد ، وقرّب قوما من قوم بعد طول ابتعاد ، وألغى الفوارق التافهة توطيدا للألفة ، كما أخمد نوائر الفتن ومحى مآثر المبدعين ، وقضى على أقطاب الضلالة وأخرس شقاشقهم فاتخذ لتخفيف وطئة انتشار الضلال طريقة اختصار بعض الكتب ، وتلخيص بعضها ، وردّ جملة منها بالحجج الدامغة واختصار بعض المسانيد المؤثرة وتقرأ في ترجمته المفصلة في كتب التراجم ككتاب «الرجال ـ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٧» لتلميذه أبي العباس النجاشي المتوفى سنة (٤٥١) ه و «خاتمة مستدرك الوسائل ـ ص ٥١٧ ـ ٥٢١» للشيخ النوري المتوفى سنة (١٣٢٠) ه ، أعماله الغرّ وأسماء مؤلفاته البالغة فوق المائتين كتابا.
أجل وضع المفيد للمجموعة الشيعية كتب نافعة مقنعة لو اقتصروا على دراستها لأغنتهم ... (٢) ، ومن كتب المفيد «المقنعة» الذي بيّن مصادره وذكر أدلته من الأخبار والأحاديث الشيخ الطوسي وأسماه بالتهذيب ، أحد الكتب الأربعة للشيعة.
(مشايخه في العلم والرواية):
قد قرأ على جمع كثير من العلماء ورواة الآثار ، وسائر رجال العلم من الفريقين من أشهرهم من رجال الخاصة أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي ، والشيخ
__________________
(١) ومن جلالة قدر المفيد في الأوساط الدينية انّه كان يزوره عضد الدولة.
(٢) مقدمة شرح عقائد الصدوق أو تصحيح الاعتقاد للشهرستاني.