ذكرت إحدى وثلاثين مرة ، والاستفهام فيها للتقرير ، لما روى الحاكم عن جابر قال : «قرأ علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : ما لي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» (خَلَقَ الْإِنْسانَ) آدم (مِنْ صَلْصالٍ) طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر (كَالْفَخَّارِ) (١٤) وهو ما طبخ من الطين (وَخَلَقَ الْجَانَ) أبا الجن وهو إبليس (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (١٥) هو لهبا الخالص من الدخان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٦) (رَبُ
____________________________________
يشعر به قوله فيما يأتي (أَيُّهَ الثَّقَلانِ.) قوله : (ذكرت إحدى وثلاثين مرة) ثمانية منها عقب آيات تعداد النعم ، ثم سبعة عقب ذكر النار وشدائدها على عدة أبوابها ، لأن التخلص منها نعمة ، ثم ثمانية عقب وصف الجنتين الأولين كعدة أبوابها ، ثم ثمانية عقب وصف الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأوليين. قوله : (والاستفهام للتقرير) ويصح أن يكون للتوبيخ على ما فصل من فنون النعم الموجبة للشكر والإيمان. قوله : (ثم قال ما لي أراكم سكوتا) الخ ، يؤخذ من ذلك أنه ينبغي لسامع هذه السورة أن يجيب بهذا الجواب. قوله : (كانوا أحسن منكم ردا) أي في الجواب ، فلا ينافي أن الإنس أحسن منهم فهذه مزية. قوله : (فبأي آلاء) الخ ، بدل من هذه الآية. قوله : (إلا قالوا ولا بشيء من نعمك) الخ ، ظاهره أن جميع ما في هذه السورة نعم ، مع أن فيها (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) الخ ، و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) و (هذِهِ جَهَنَّمُ) ونحو ذلك. وأجيب : بأن رفع البلاء وتأخير العذاب عن العصاة ، والتسوية في الموت بين الشريف وغيره من جملة النعم ، فحسن جواب الجن عقب كل واحدة. قوله : (آدم) أشار بذلك إلى أن أل في الإنسان للعهد بخلاف الإنسان المتقدم ففيه احتمالات ثلاثة. قوله : (إذا نقر) أي ليختبر هل فيه عيب أو لا.
قوله : (كَالْفَخَّارِ) أي في أن كلا منهما يسمع له صوت إذا نقر ، واعلم أنه تعالى أفاد في هذه السورة أن خلق آدم (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ،) وفي سورة الحجر (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي من طين أسود متغير ، وفي الصافات (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي يلصق باليد ، وفي آل عمران (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ولا تنافي بينها ، وذلك لأنه تعالى أخذه من تراب الأرض ، فعجنه بالماء فصار طينا لازبا ، ثم تركه حتى صار حمأ مسنونا ، ثم صوره كما تصور الأواني ، ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة كالفخار إذا نقر صوت ، فالمذكور هنا آخر أطواره ، وفي غير هذا الموضع ، تارة مبدؤه وتارة أثناؤه ، فالأرض أمه ، والماء أبوه ، ممزوجان بالهواء الحامل للحر الذي هو من فيح جهنم ، فهو من العناصر الأربع ، لكن الغالب في جبلته التراب ، كما أن الجان خلق من العناصر الأربع ، لكن الغالب في جبلته النار ، ولذا نسب إليها. قوله : (وهو ما طبخ من طين) أي فكان مجوفا كالأواني وليس كالآجر. قوله : (وهو إبليس) هذا أحد قولين وهو الصحيح ، وقيل أبو الجن غير إبليس.
قوله : (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) من الأولى لابتداء الغاية ، والثانية يصح أن تكون للبيان وللتبعيض. قوله : (هو لهبها الخالص من الدخان) هذا أحد أقوال في تفسير المارج ، وقيل : هو ما اختلط من أحمر وأخضر وأصفر ، وهو مشاهد في النار ، ترى الألوان الثلاثة مختلطا بعضها ببعض ، وقيل : هو الأحمر