كالأمارات في تنجيز الواقع ، فكما أنّ العلم ينجّز الواقع كذلك الاستصحاب ، فاليقين بالإرادة كما أنّه كان منجّزا لها حدوثا كذلك يكون هو بحكم الاستصحاب منجّزا لها بقاء.
وبالجملة ، لو علم بإرادة ملزمة من المولى لزم الإتيان بمقتضاها ، وإن منعه مانع عن صدور الأمر فهكذا إذا علم بها وشكّ في بقائها لزم الإتيان بمقتضاها ، وإذا علم بها بالمرتبة الشديدة ثمّ زالت شدّتها وشكّ في بقاء أصل الإرادة أمكن استصحاب أصل الإرادة والحكم برجحان الإطاعة ، لأنّ الإرادة الحتميّة والندبيّة ـ كما أفاد المحقّق الأصفهانيّ قدسسره ـ مرتبتان من الإرادة ، وهي نوع واحد لا تفاوت بين الشديدة والضعيفة منها في النوعيّة ، بل في الوجود على التحقيق ، وكما أنّ البياض الشديد إذا زالت شدّته وبقي بمرتبة ضعيفة منه لا يعدّ وجودا آخر لا عقلا ولا عرفا ، بل هو وجود واحد زالت صفته ، فكذا الإرادة الشديدة والضعيفة ، والتفاوت في لحاظ العقل والعرف إنّما نشأ من الخلطة بين الأمر الانتزاعيّ والكيف النفسانيّ (١).
وعليه ، فلا حاجة في الاستصحاب إلى كون المستصحب حكما شرعيّا أو موضوعا للحكم الشرعيّ ، بل يكفي نفس الإرادة للزوم الاتّباع أو رجحانه.
ولذلك قال استاذنا المحقّق الداماد قدسسره : والتحقيق هو إجراء الاستصحاب لمعلوميّة أصل الرجحان والشكّ في ارتفاعه واتّحاد الشديد مع الضعيف عرفا كاتّحاد السواد الشديد مع السواد عرفا ، ألا ترى أنّه إذا كان شيء شديد السواد ثمّ ارتفع شدّته لا يراه العرف مغايرا لما علمه سابقا.
وعليه ، فلا مانع من إجراء الاستصحاب في مقام الثبوت وإثبات أصل الرجحان وترتّب الآثار عليه ، وإن لم يثبت الاستحباب الاصطلاحيّ ، لأنّ المعلوم هو
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٦٥.