الشريعة المقدّسة كما في باب الوصيّة ، فإنّه إذا أوصى الميّت بملكيّة أحد المالين لشخص بعد موته فلا محالة يكون ملكا له بعد موته وتكون وصيّته بذلك نافذة. وعلى الجملة ، فلا شبهة في صحّة تعلّق الأمر بالعنوان الانتزاعيّ وهو عنوان أحدهما ، ومجرّد أنّه لا واقع موضوعيّ له لا يمنع عن تعلّقه به ، ضرورة أنّ الأمر لا يتعلّق بواقع الشيء ، بل بالطبيعيّ الجامع. ومن الواضح جدّا أنّه لا يفرّق فيه بين أن يكون متأصّلا أو غير متأصّل أصلا ـ إلى أن قال ـ : فالنتيجة على ضوء هذه النواحي هي أنّه لا بدّ من الالتزام بأنّ متعلّق الوجوب في موارد الواجبات التخييريّة هو العنوان الانتزاعيّ من جهة ظهور الأدلّة في ذلك ، ضرورة أنّ الظاهر من العطف بكلمة (أو) هو وجوب أحد الفعلين أو الأفعال (١).
وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ تعلّق الخطاب بالعناوين الانتزاعيّة كعنوان أحدهما أو أحد الامور ـ وإن كان أمرا ممكنا ـ ولكنّه خلاف ظاهر الخطابات الشرعيّة ، فإنّ إنشاء الوجوب فيها لم يتعلّق بعنوان أحدهما ، بل هو أمر ينتزعه العقل من تعلّق الوجوب بالامور المتعدّدة ، مع جواز ترك كلّ واحد مع إتيان الآخر والاستدلال لتعلّق الخطاب بعنوان أحدهما بظهور كلمة (أو) كما ترى ؛ فإنّ الظاهر من العطف بكلمة (أو) هو عدم اختصاص الوجوب بالمذكور قبله ، لا أنّ الوجوب متعلّق بالجامع الانتزاعيّ ، ومن المعلوم أنّ عدم اختصاص الوجوب بالمذكور قبل (أو) وتعدّيه إلى مدخول كلمة أو ظاهر في التخيير الشرعيّ.
فتحصّل أنّ إرجاع الخطابات الشرعيّة في موارد التخيير إلى العنوان الانتزاعيّ والقول بأنّ الخطاب المتوجّه إلى العنوان الانتزاعيّ متعيّنا والتخيير في تطبيقه على الموارد عقليّ لا دليل له جدّا ، بل الظاهر خلافه.
__________________
(١) المحاضرات : ج ٤ ص ٤١.