الطبيعة مورد الأمر ، فإنّ الحاكم بأجزاء كلّ فرد هو العقل ، فلا يمكن تصحيح هذا الطلب الإرشادي للعقل إلّا بهذا الوجه. فتحصّل أنّ تصوير الوجوب التخييريّ ـ كما صرّح به استاذنا الحائريّ قدسسره في درسه ـ كتصوير الشكّ ، فإنّ الشكّ احتمال هذا أو ذاك ، والوجوب التخييريّ هو البعث إلى هذا أو ذاك (١).
وإليه يؤول ما أفاده سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره من أنّ ظاهر قولهم افعل ذلك أو ذاك ليس هو البعث نحو الواحد لا بعينه وإن كان هو ممكنا بحسب مقام الثبوت ، لأنّ إنشاء الوجوب لم يتعلّق بعنوان أحدهما ، بل هو أمر ينتزعه العقل منه. والخطاب المذكور نحو من الوجوب الذي يبعث المخاطب نحو الفعل ويرفع البعث ثانيا ويبعثه ثانيا نحو فعل آخر. وهو بالفارسية : (اين بله نه آن بله است) انتهى.
والحاصل أنّ الطلب واحد له شعب متعدّدة يبعث المخاطب نحو أشياء متعدّدة لا على الاستغراق ولا على المجموع ، بل بقرينة كلمة (أو) يبعثه نحوها على البدليّة ، أي ائت بهذا أو ذاك ، وهذا هو التخيير الشرعيّ ، وهو نوع مستقلّ في قبال الوجوب التعيينيّ.
لا يقال : إنّ النسبة البعثيّة جزئيّة والجزئيّ لا يكون قابلا للتقييد ، وعليه فكيف يمكن أن يبعث نحو شيء ثمّ تردّد فيه وبعث نحو شيء آخر ، مع أنّ لازمه هو تقييد النسبة البعثيّة مع أنّها جزئيّة ، لأنّا نقول إنّ النسبة الإنشائيّة البعثيّة من الامور الاعتباريّة التي تكون خفيفة المئونة ، فيمكن تقييدها من أوّل الأمر من باب ضيق فم الركية ، ولذا اتّفق أهل العربيّة على رجوع قيود الكلام إلى النسبة ؛ ففي قوله : ضربته يوم الجمعة أمام الأمير ، يرجع قوله يوم الجمعة أمام الأمير إلى النسبة. وعليه ، فكما لا مانع من تقييد نسبة الكلام بالقيود المذكورة فكذلك لا مانع من أن يقيّد الوجوب
__________________
(١) راجع اصول الفقه لشيخنا الأستاذ الأراكي قدسسره : ج ١ ص ١٠١ ـ ١٠٢ وغيره.