الغرضين بإحراز أحدهما في غير مورد التصادق ودوران الأمر بين إحراز هذا أو ذاك يكون حكم العقل ملاحظة مرجّحات باب المزاحمة وترجيح أقوى المتزاحمين إلى أن قال لا ملاحظة الأظهريّة والظاهريّة ففي صورة ثبوت المندوحة يرجّح غير ذي المندوحة وإن كان ذوها أقوى ودليله أظهر وفي صورة عدمها يرجّح أقوى الملاكين وإن كان دليل غيره أظهر فما في الكفاية من الحكم بالرجوع إلى مرجّحات باب المزاحمة وترجيح أقوى المناطين غير صحيح بإطلاقه والصحيح هو التفصيل بين صورتي المندوحة وعدمها بما ذكر (١).
ولعلّ إليه يؤول ما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره من أنّ النهي مقدّم في سعة الوقت إذ مع المندوحة يكون تزاحم الأمر والنهي كتزاحم الواجب الموسّع مع المضيّق فكما أنّ العقل يحكم بتقديم جانب المضيّق كالإزالة على الموسّع كالصلاة في أوّل وقتها من دون مراعاة الأهمّ بينهما لدرك الغرضين بذلك فكذلك يحكم بتقديم جانب النهي وإتيان المأمور به في ضمن فرد لا يكون منهيّا عنه إذ مع العكس يعصى النهي من غير وجه مع أنّ مقتضى النهي هو ترك المنهيّ رأسا.
هذا بخلاف ما إذا لم تكن مندوحة كما إذا كان الوقت مضيقا فإنّ الحكمين في هذه الصورة لا يكونان فعليّين حتّى عند المجوّزين لعدم التمكّن من امتثالهما فالتكليف بهما تكليف بالمحال فلا يكون الفعليّ بينهما إلّا ما هو أقوى ملاكا حتى عند المجوّزين انتهى ولكن لا يستلزم انتفاء فعليّة الحكم في طرف انتفاء المناط فيه.
كما أفاده المحقّق الأصفهاني قدسسره من أنّ انتفاء المعلول كلّيّة وإن أمكن أن يكون بعدم المقتضى أو بوجود المانع إلّا أنّ الكاشف عن المعلول كاشف عن علّته التامّة والتكاذب والتنافي بين المعلولين لا يوجب اختلال الكشف عن المقتضى وعدم المانع
__________________
(١) أصول الفقه : ج ١ ص ١٩٦ و ١٩٧ مع تلخيص وتصرّف.