وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية حيث ذهب إلى اختصاص الرجوع بالأقوى ملاكا بالقول بالامتناع مضافا إلى أنّه لم يفصّل بين وجود المندوحة وعدمهما فتدبّر جيّدا.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ الأقوى ملاكا إن كان معلوما فلا كلام وأمّا إن لم يكن معلوما قال في الكفاية كان بين الخطابين تعارض من جهة تشخيص الأقوى ملاكا فلا بأس بالرجوع إلى المرجّحات السنديّة ويقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإنّ يحرز به أنّ مدلوله أقوى ملاكا.
يشكل ذلك كما أفاد استاذنا المحقّق الداماد قدسسره أوّلا باختصاص المرجّحات السنديّة بمدارك حكم الحكمين لاختصاص المقبولة بذلك ولذا لم يعدّ المصنّف الأقوى سندا من مرجّحات الخبرين المتعارضين.
وثانيا : بأنّ مجرّد أقوائيّة السند لأجل أعدليّة الراوي مثلا لا يكشف عن أقوائيّة ملاك مدلول الخبر بل هو مقدّم كما أنّ الأقوى ملاكا مقدّم.
ويؤيّد ما ذكره الاستاذ قدسسره ما ذكره المحقّق الأصفهانيّ من أنّ قوّة الكاشف أجنبيّة عن قوّة المنكشف كما أنّ النسبة بين الدالّ والمدلول ليست نسبة المعلول إلى العلّة حتّى يستكشف بطريق الدلالة الإنّيّة (١).
ودعوى الاستكشاف كما أفاد المحقّق الأصفهانيّ من جهة أنّ التقيّد بالأقوى سندا أو دلالة منبعث عن ملاك ومقتض فعليّ ذاتيّ أو عرضيّ فلو لم يكن هذا الملاك أقوى لم يعقل التعبّد بخصوص الأقوى بل وجب التعبّد بالأضعف من حيث السند أو الدلالة لكون المقتضى للتعبّد به أقوى أو وجب التخيير بينهما لو لم يكن بينهما أقوى (٢).
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٣٠.
(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٣٠.