كانت المبغوضيّة والمرجوحيّة ناقصة ، هذا بخلاف ما إذا تعلّقت النواهي بالخصوصيّات اللاحقة فإنّ المرجوحيّة والمبغوضيّة ليست حينئذ في ذات العبادة بل في الخصوصيّات اللاحقة بالمصاديق فيمكن التقرّب بذات العبادة لأنّ حالها حال سائر الحصص والأفراد في إفادة الغرض ولكن هذه الصورة خارجة عن محلّ الكلام لأنّ الكلام في النواهي المتعلّقة بذوات العبادات.
ذهب شيخنا الاستاد الأراكي قدسسره إلى أنّ الحقّ هو عدم كون التنزيهيّ محلّا للنزاع مستدلّا بأنّ المفروض كون العنوان من حيث الذات مشتملة على المصلحة الوجوبيّة المانعة من النقيض وهذه المصلحة لا تزاحمها إلّا المفسدة التحريميّة المانعة من النقيض أيضا لا المفسدة الكراهيّة الغير المانعة عنه المشوبة بالرخصة في الفعل فإنّ هذه لا يعقل أن تصير مزاحمة للجهة الوجوبيّة ومسقطة لها عن التأثير.
وبعبارة اخرى الجهة الكراهيّة تقتضي كون الفعل خلاف الأولى وهو غير مناف للعباديّة وإنّما المنافي لها كونه معصية ولهذا تراهم يسمّون العبادات التي تعلّق بها النهي التنزيهيّ بالعبادات المكروهة فإنّ معنى ذلك أنّها صحيحة غاية الأمر كونها أقلّ ثوابا ولم يعهد القول بفسادها من أحد حتّى من القائلين بأنّ النهي في العبادات موجب للفساد فهذا دليل على خروج النهي التنزيهيّ من تحت هذا النزاع (١).
ويمكن أن يقال أوّلا إنّ المصلحة الوجوبيّة راجحة فلا يجتمع مع المرجوحيّة الدالّة عليها النهي التنزيهيّ فكما إنّ النهي التحريميّ لا يجتمع مع المصلحة الوجوبيّة فكذلك لا يجتمع النهي التنزيهيّ الكاشف عن المرجوحيّة مع المصلحة الوجوبيّة فلا بدّ من تخصيص المطلقات بغير صورة النواهي التنزيهيّة ولعلّ تسمية العبادات بالمكروهة أو القول بأنّ العبادات المكروهة أقلّ ثوابا تختصّ بما إذا تعلّقت النواهي التنزيهيّة
__________________
(١) اصول الفقه : ج ١ ص ٢٣٨.