وأمّا في العبادات الذاتيّة فالنهي فيها أيضا لا يدلّ على الصحّة لأنّ تأثيرها في القرب ليس لازم وجودها بل لا يعقل المقرّبيّة مع المبغوضيّة المكشوفة بالنهي عنها فلا محالة لا يكون النهي عن العبادات الذاتيّة كاشفا عن صحّتها مع إنّ تعلّق النهي بها كما أفاد صاحب الكفاية يكون مقدورا ألا ترى أنّ تعظيم المولى أو الاستاذ مطلوب ذاتا ومرغوب في نفسه ولكن إذا أدّى ذلك إلى كسر يد المولى أو الاستاذ أو قتلهما فلا يوجب القرب إليهما ، وعليه فلا وجه لذهاب أبي حنيفة والشيبانيّ إلى إفادة النواهي الصحّة في العبادات الذاتيّة فقولهما ساقط فيها أيضا كما أنّ قولهما في المعاملات ساقط لما عرفت.
وممّا ذكر يظهر وجه عدم إفادة النواهي التكليفيّة للصحّة في غير العبادات الذاتيّة أعني ما لو أمر به لكان ممّا لا يسقط إلّا بقصد القربة لأنّ تأثير العبادات غير الذاتيّة في القرب ليس أيضا لازم وجودها فالنهي عنها كالنهي عن العبادات الذاتيّة مقدور ، ومع ذلك لا يكشف النهي عنها أيضا عن الصحّة.
نعم لو كان المراد من العبادة في غير العبادات الذاتيّة العبادة الفعليّة بمعنى ما يؤتى به بداعي الأمر الفعليّ ويتقوّم بقصد القربة كان النهي عنها كاشفا عن صحّتها ولكن لا يعقل النهي عنها إلّا بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد ، وقد عرفت في محلّه أنّه محال إذ الممكن هو اجتماعهما في شيء واحد يكون معنونا بعنوانين والمفروض في المقام هو أنّ النهي متعلّق بنفس العبادة من دون تعدّد العنوان.
فتحصّل أنّ التفصيل بين المعاملات والعبادات وقبول قول أبي حنيفة والشيبانيّ في المعاملات دون العبادات كما يظهر من صاحب الكفاية.
لا وجه له لما عرفت من بطلان قولهما في المعاملات والعبادات كليهما إذ الموضوع في المعاملات هو الأسباب والمسبّبات والتسبّبات العرفيّة لا الشرعيّة فالنهي