أوّلا في جانب المنطوق ثمّ يؤخذ المفهوم من المنطوق المحرز فيه وصف الإطلاق بالمقدّمات فإذن قولنا إذا جاء زيد فأكرمه مفهومه بالنسبة إلى أحوال زيد وأنحاء الإكرام جزئي وإن كان منطوقه عامّا لها فمعنى المنطوق بمقتضى المقدّمات أنّه إذا جاء زيد فأكرمه بأيّ نحو كان الإكرام وفي أيّ حال كان زيد ومعنى المفهوم إذا لم يجيئك فلا يجب عليك هذا الذي ذكر من الإكرام على أيّ نحو كان لزيد على أيّ حال كان.
وبعبارة أخرى لا يجب عليك هذا المطلق ولا ينافي هذا ، الوجوب المقيّد بأن يكون عند عدم مجيئه واجب الإكرام على نحو خاصّ أو في حال مخصوص فإذن المثال المذكور حاله حال قولك إذا جاء زيد فأكرمه في كلّ حال كان فإنّه لا إشكال في أنّ مفهومه أنّه إذا لم يجيئك فلا يجب إكرامه في كلّ حال وهو غير مناف لوجوب إكرامه لو كان على حالة مخصوصة كما هو واضح.
لأنّا نقول : ـ كما أفاد شيخنا الأستاذ الأراكي قدسسره ـ إنّ الظاهر أنّ المقدّمات ترد على القضيّة بتمامها لا أنّها تعمل في المنطوق أوّلا ثمّ يوجد المفهوم ثانيا بل نسبتها إلى المنطوق والمفهوم على السواء ويجري بالنسبة إليها في عرض واحد وإذن فكما يفيد العموم الأحوالي في المنطوق فكذا يفيده في المفهوم أيضا فيكون المفهوم في المثال إذا لم يجيئك زيد فلا يجب إكرامه في شيء من الأحوال وبشيء من الأنحاء بحكم المقدّمات كما يحمل المنطوق أعني إذا جاء زيد فأكرمه على الإطلاق بالنسبة إلى الأحوال والأنحاء بحكمها أيضا (١).
مراده أنّ المفهوم وإن كان مترتّبا على المنطوق بحسب الاستعمال ولكنّه في عرض المنطوق بحسب الحجّيّة والإرادة الجدّيّة.
هذا مضافا إلى ما ذكرناه من أنّ مع فرض تسليم الترتّب بين جريان المقدّمات
__________________
(١) كتاب الطهارة : ج ١ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦.