وأمّا ما يظهر من الكفاية من أنّ العقل ربّما يعيّن الوجه الرابع بملاحظة أنّ الأمور المتعدّدة بما هي مختلفة لا يمكن أن يكون كلّ منهما مؤثّرا في واحد فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بين العلّة والمعلول ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ولذلك لا يصدر من الواحد إلّا الواحد فلا بدّ من المصير إلى أنّ الشرط في الحقيقة واحد وهو المشترك بين الشرطين وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدّد الشرط وتأثير شرط بعنوانه الخاص ففيه ما أفاده المحقّق الأصفهانيّ قدسسره من أنّ مورد القاعدة وعكسها الواحد الشخصيّ وأنّ مسألة المناسبة والسنخية أجنبية عن لزوم الانتهاء إلى جامع ماهوي (١).
ألا ترى أنّ النار تؤثّر في الحرارة كما أنّ الشمس تؤثّر فيها ولا إشكال فيه وليس ذلك إلّا لكون الحرارة واحدا نوعيّا فيجوز تأثير كلّ سبب في فرد من هذا النوع.
فبرهان السنخيّة إنّما يتمّ في الواحد الشخصيّ لا النوعي هذا مضافا إلى أنّ العلّيّة والمعلولية في المجعولات الشرعيّة كما أفاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره ليست على حذو التكوين من صدور أحدهما من الآخر حتّى يأتي فيها القاعدة المعروفة فيجوز أن يكون الكرّ بعنوانه دخيلا في عدم الانفعال والجاري والمطر بعنوانهما كما هو كذلك فقياس التشريع بالتكوين باطل ومنشأ لاشتباهات كثيرة (٢).
فتحصّل أنّ على المبني المختار يتقدّم الوجه الأوّل ونقول بدفع المعارضة بالتقييد ووجود المفهوم بالنسبة إلى غيرهما ولا وجه ولا موجب لسائر الوجوه المذكورة كما أنّ بناء على استفادة العلّيّة المنحصرة من الوضع يتقدّم الوجه الثاني دون سائر الوجوه فالأمر في الحقيقة يدور بين الوجه الأوّل والثاني فالوجه الأوّل مقدّم بناء على
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٦٦.
(٢) مناهج الوصول : ج ٢ ص ١٨٧.