بالأهمّ على ورود خطاب يتكفّل بترتّب تأثير الأمر بالمهمّ على عدم تأثير الأمر بالأهمّ ، إذ الكشف العقليّ عن ذلك يستلزم الحكم الشرعي ، لأنّ العقل هو المدرك والمنكشف هو الحكم الشرعي.
فكما أنّه من الممكن أن يقيّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلى المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ ، فكذلك يمكن اكتشافه بحكم العقل بعد كون الخطابين مطلقين ومتزاحمين مع أهميّة بعض الأطراف بالنسبة إلى الطرف الآخر ؛ ثمّ إنّ الكشف العقلي ليس بمعنى التصرّف في إرادة المولى أو جعله حتّى يقال إنّ تصرّف العقل في إرادة المولى أو جعله ممّا لا معنى معقول له ، والتقيّد والتصرّف لا يمكن إلّا للجاعل لا لغيره (١) ، بل هو كشف عن تقييد الشارع وجعله ، وإنّ إرادته في مثل ما إذا تزاحم المطلقان وكان أحدهما أهمّ تعلّقت بالمهمّ مترتّبا على عدم تأثير الأمر بالأهمّ.
لا يقال إنّ التزاحمات الواقعة بين الأدلّة تكون متأخّرة عن تعلّق الأحكام بموضوعاتها وعن ابتلاء المكلّف بالواقعة ، فلم تكن ملحوظة في الأدلّة لأنّا نقول إنّ ذلك صحيح بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة ، وأمّا مع حكم العقل بذلك فيستفاد ذلك بالدليل الآخر ، وهو متأخّر عن الأحكام الأوّليّة ، فإرادة كيفيّة علاج المتزاحمات إرادة مستقلّة اخرى بعد تحقّق الأدلّة الأوّليّة وتزاحمهما.
وأمّا القول بأنّ الأوامر تعلّقت بنفس الماهيّات من دون حكايتها عن الوجود ، وإن كانت متّحدة مع الأفراد في الخارج ، لمباينتها مع الأفراد والخصوصيّات ، ومقتضى ذلك هو أنّ الجعل في القضايا الحقيقيّة ليس إلّا جعلا واحدا بعنوان واحد لا جعلات كثيرة بعدد أنفاس المكلّفين ، لكن ذاك الجعل الواحد يكون حجّة بحكم العقل والعقلاء لكلّ من كان مصداقا للعنوان.
__________________
(١) كما في مناهج الوصول : ج ٢ ص ٢٨.