ففيه ما لا يخفى ، فإنّ الماهيّة من حيث هي لا تكون مطلوبة ، إذ لا غرض في طلبها ، بل المطلوب هو الماهيّة المفروضة الوجود ، والماهيّة تحكي عن وجودات أشخاصها بما هي منشأ لانتزاع الماهيّة عنها ، لا بما هي متّحدة مع الخصوصيّات والعوارض. وعليه ، فلا مانع من حكايتها وكون الجعل جعلات كثيرة. هذا مضافا إلى أنّه لو سلّمنا بعدم الحكاية ، فحكم العقل بكونه حجّة على كلّ من كان مصداقا للعنوان كاف في كون الحكم في كلّ مورد شرعيّا ، لأنّ المدرك هو العقل والمدرك ـ بالفتح ـ شرعيّ للملازمة بين حكم العقل والشرع ، ويشهد لكونه حكما شرعيّا جواز جريان الاستصحاب في حكم الأفراد. وعليه ، فما في مناهج الاصول محلّ نظر وإشكال ، فلا وجه لإنكار الترتّب بدعوى خروج الموارد المتزاحمة عن مورد الحكم الشرعيّ ، إذ هو واحد ولا مزاحمة بين الأحكام المتعلّقة بالماهيّات الكلّيّة (١).
ثمّ إنّ الأمر الترتّبي واقع في الخطابات العرفيّة وفي جملة من المسائل الفقهيّة ، وهما أدلّ دليل على الإمكان الوقوعيّ ، إذ الشيء ما لم يكن ممكنا وقوعا لا يقع ، وحيث وقع علم أنّه ممكن وقوعا ، لأنّا نقول إنّ الإمكان الذاتيّ ينكشف من الخطابات العرفيّة والمسائل الفقهيّة حتّى يشكّل ذلك بأنّ من استحال الترتّب ذكر لا محالة حيلة لهذه الموارد. ومجرّد تلك الأمثلة مع استحالة الترتّب لا يكفي في رفع الاستحالة ، بل اللازم هو توجّهها بنحو لا ينافي برهان الاستحالة ، إذ المراد من التمسّك بهما هو الإمكان الوقوعيّ بعد الفراغ عن مرحلة الإمكان الذاتي فلا تغفل. وممّا ذكر يظهر ما في بحوث علم الاصول : ج ٢ ص ٣٣٧ فراجع.
التنبيه الثاني : أنّ صاحب الكفاية أورد على القائل بالترتّب بأنّ الأمر بكلّ من الضدّين بناء على الترتّب أمر مولويّ فعليّ ، ومن شأن هذا الأمر هو استحقاق
__________________
(١) راجع مناهج الاصول : ٢٣ ـ ٣٠ ، وفرائد الاصول : ج ٢ ص ١٥١.