لا يقال إنّ تمام الدخيل في محكوميّة الظواهر بالكاشفيّة الفعليّة إنّما هو ظهورها الاستعمالي في العموم وعدم إقامة قرينة متّصلة على أنّه ليس بمراد جدّا بعد كون المتكلّم في مقام إفادة المرام فكلّ ظاهر إذا كان كذلك فهو واجد لجميع ما هو شرط أن يراه العقلاء كاشفا عن مرام المتكلّم لكنّه إذا كان في قباله كلام منفصل هو كالمخصّص له وكان هذا المنفصل جامعا لمقوّمات الكاشفيّة فلا ريب في أنّه يحكم له بالكاشفيّة عن مرام المولى ومعه فلا يمكن بقاء تلك الكاشفيّة للعامّ مثلا لا لعدم جامعيّته في ذاته لشرائط الكاشفيّة بل لابتلائه بذلك الكاشف الأقوى فهو مزاحم أقوى لكاشفيّته التي هي منشأ انتزاع الحجّيّة (١).
لأنّا نقول والظاهر أنّه لا بناء من العقلاء على جريان أصالة التطابق قبل الفحص فيمن استقرّت عادته على ذكر المخصّصات بالانفصال والمتكلّم وإن كان في مقام إفادة المرام ولكنّه يكون على طريقة العقلاء في ذكر المخصّصات ولا أقلّ من الشكّ وعليه فلا تتمّ الحجّيّة نعم بعد الفحص تتمّ الحجّيّة لأنّ العبرة بالمخصّصات الموجودة واحتمال صدور شيء آخر بعدا لا يضرّ بجريان أصالة التطابق.
وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية من أنّ الفحص هاهنا عمّا يزاحم الحجّة بخلاف الفحص في الاصول العمليّة فإنّه عمّا يتمّ الحجّة إذ العقل لا يستقلّ بقبح العقاب مع وجود البيان الواصل بنحو المتعارف وإن لم يصل إلى المكلّف بواسطة عدم فحصه (٢).
لما عرفت من أنّ ظهور الكلام لا يكون حجّة إلّا بأصالة التطابق بين الإرادة الاستعماليّة وبين الإرادة الجدّيّة وهذه الأصالة لا تجري بدون الفحص وحيث أنّها من متمّمات الحجّة فلا وجه للفرق المذكور في الكفاية من أنّ الفحص هاهنا عمّا يزاحم
__________________
(١) تسديد الاصول : ١ / ٥٢٢.
(٢) الكفاية : ١ / ٣٥٤.