والمعدوم في رتبة عدمه ليس من أفراد الناس ، ولا يصدق عليه أنّه مستطيع ، فلا تعقل سراية الإنشاء إليه ، فإنّ الحكم المنشأ لا يسري من موضوعه إلى شيء آخر ، نعم إنّما يصير المعدوم حال الخطاب في ظرف وجوده ، وتحقّق الاستطاعة له مصداقا لما هو الموضوع في الآية ، فيتحقّق حينئذ بالنسبة إليه التكليف الانشائيّ ، وبتحقّق سائر الشرائط العامّة يصير فعليّا.
ومقتضى ما ذكر أنّ القضيّة حقيقيّة ، والحكم فيها متعلّق بالمصاديق الموجودة سواء كانت محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود والقضيّة المذكورة فعليّة بالنسبة إلى المصاديق المحقّقة ، وإنشائيّة بالنسبة إلى ما سيوجد في ظرف وجوده ، وعليه فلا يتعلّق الحكم بالمعدوم.
ولا حاجة معه في إمكان تعلّق التكليف الفعليّ بالنسبة إلى غير الموجودين بالفعل إلى تعليق التكليف الفعليّ بالموجود الاستقبالي ، نظير الواجب المعلّق ، بدعوى أنّ إرادة شيء فعلا ممّن يوجد استقبالا كإرادة ما لم يمكن فعلا بل يمكن تحقّقه استقبالا.
وذلك لما عرفت من أنّ موضوع القضيّة الحقيقيّة ، هو الطبيعة بما هي مرآة وحاكية عن مصاديقها الموجودة بحسب ظروفها ، فيشمل التكليف غير الموجودين بنفس القضيّة الحقيقيّة.
وأيضا ، لا وجه لجعل الحمليّة ، مشروطة بوجود المعدوم لتوجيه التكليف إلى المعدوم ، إذ القضايا الحقيقيّة ليست مشروطة ، وإن أمكن تحليلها إليها في العقل.
فتحصّل أنّه يكفي في شمول التكاليف ، بالنسبة إلى غير الموجودين في عصر الصدور كون القضايا حقيقيّة لأنّ موضوعاتها تعمّ كلّ موجود في ظرف وجوده من دون لزوم محذور تعلّق التكليف بالمعدوم ، فالحكم فعليّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة بالفعل ، وإنشائيّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة في الظروف الآتية ، والقضيّة