البعث الجدّي ولفرد آخر هو البعث على نحو ضرب القانون إذ لا يجتمع الداعيان في واحد وعليه فبعد ورود التخصيص يكون العامّ بالنسبة إلى موارد الخاصّ بداع البعث الضرب القانوني تقديما لظهور الخاصّ على ظهور العامّ في كونه بداعي البعث الحقيقيّ فإذا عرفت أنّ البعث لم يكن حقيقيّا بالنسبة إلى موارد الخاصّ اتّضح أنّه لا يشبه موارد التخصيص بالنسخ.
وثانيا : إنّه ولو سلّمنا أنّ البعث حقيقيّ وجدّيّ بالنسبة إلى جميع الموارد كما ادّعى أنّ مقتضى الأصل في باب الألفاظ كون المضمون مرادا جدّيا فلا دلالة للعامّ كما أفاد المحقّق الأصفهاني قدسسره على كون مضمونه مرادا جدّيّا منبعثا عن المصالح الواقعيّة الأوّليّة بل غايته إفادة العامّ أنّ الحكم العمومي هو المراد الجدّي لمصلحة اقتضته وعليه فمع ورود الخاصّ ينتهي أمد المصلحة وفرق بين التخصيص والنسخ وإن لم يخل عن الشباهة فإنّ الناسخ كاشف عن انتهاء أمد المصلحة في المنسوخ والخاصّ هنا بوصوله موجب لانتهاء أمدها لا كاشف عن انتهاء أمدها واقعا.
ولذا لا يكون قيام الدليل الاجتهاديّ على خلاف الأصل العملي ناسخا للحكم الظاهري وما نحن فيه من حيث فرض امتداد مصلحة الثانويّة العرضيّة إلى وصول الخاصّ يشبه الحكم الظاهريّ لا من حيث ترتّبه على المشكوك بما هو مشكوك ليكون قاعدة مضروبة للشاكّ (١).
فتحصّل أنّ الخاصّ المتأخّر عن العامّ فيما إذا كان بعد وقت حضور العمل بالعامّ يكون مخصّصا أيضا بالنسبة إلى العامّ لا ناسخا.
ويشهد له استيحاش الأئمّة الأطهار عليهمالسلام والأصحاب من حمل الأخبار الكثيرة الدالّة على التخصيصات على النسخ وإن قلنا بأنّ النسخ في لسان الأئمّة عليهمالسلام من باب
__________________
(١) نهاية الدراية : ٢ / ٢٠٨.