أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) وقولنا جئني برجل بمعنى واحد وأنّه في كليهما جزئيّ حقيقيّ.
بيانه أنّه لا إشكال في أنّ الجزئيّة والكلّيّة من صفات المعقول في الذهن وهو إن امتنع فرض صدقه على كثيرين فجزئيّ وإلّا فكلّيّ وجزئيّة المعنى في الذهن لا تتوقّف على تصوّره بتمام تشخّصاته الواقعيّة.
ولذا لو رأى الإنسان شبحا من المكان البعيد وتردّد في أنّه زيد أو عمرو أو تردّد في أنّه إنسان أو غيره لا يخرجه هذا التردد عن الجزئيّة وكون أحد الأشياء ثابتا في الواقع لا دخل له بالصورة المنتقشة في الذهن فإذا كانت هذه الصورة جزئيّة كما في القضيّة الاولى أعني قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) فكذلك الصورة المتصوّرة في القضيّة الثانية أعني جئني برجل إذ لا فرق بينهما إلّا في أنّ التعيين في الاولى واقعيّ وفي الثانية بيد المكلّف.
وعدم إمكان وجود الفرد المردّد في الخارج بداهة عدم معقوليّة كون الشيء مردّدا بين نفسه وغيره لا ينافي اعتبار وجوده في الذهن كما يعتبر الكسر المشاع مع عدم وجوده بوصف الإشاعة في الخارج (١).
اورد عليه صاحب الكفاية بأنّ ما هو المعروف في الألسنة من أنّ النكرة وضعت للدلالة على الفرد المردّد في الخارج خاطئ جدّا ولا واقع موضوعيّ له اصلا ضرورة أنّه لا وجود للفرد المردّد في الخارج حيث إنّ كلّ ما هو موجود فيه متعيّن لا مردّد بين نفسه وغيره فأنّه غير معقول ومن البديهي كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع أنّه يصدق على كلّ من جيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضيّة الفرد المردّد لو كان هو المراد منها ضرورة أنّ كلّ واحد هو هو
__________________
(١) راجع الدرر : ١ / ٢٣٣.