المظنون ، فإنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين الواقعيّة لا المقيّدة بالظنّ ، فالظنّ أيضا لا يقع وسطا للإثبات بمعناه المنطقي ، بل هو واسطة لإثبات الحكم بمعناه الاصولي ويصحّ أن يحتجّ به. وعليه ـ كما في تهذيب الاصول ـ والقطع والظنّ يشتركان في كون كلّ واحد منهما أمارة على الحكم وموجب لتنجّزه وصحّة العقوبة عليه مع المخالفة إذا صادف الواقع (١).
ودعوى : أنّ القطع بالحكم عين وصوله حقيقة إلى المكلّف ، ولا يتوقّف العلم بفعل المكلّف من حيث الاقتضاء والتنجيز ـ وهو علم الفقه ـ على منجّزيّة القطع ليكون نتيجة البحث مفيدة في الفقه بخلاف ما عدا القطع من أقسام الحجّة فانّه ليس وصولا حقيقيا للحكم ، فلا بدّ من كونه وصولا تنزيليا أو وصولا من حيث الأثر وهو المنجزية ، فيتوقف وصول الحكم إلى المكلّف على ثبوت وصوله تنزيلا أو من حيث الأثر وهو المبحوث عنه في علم الاصول ، وكذا البحث عن منجّزيّة العلم الإجمالي واستحقاق العقوبة على التجرّي ؛ فإنّه خارج عن مسائل الفنّ على جميع التقادير نعم إذا كان البحث في التجرّي بحثا عن تعنون الفعل المتجرّى به بعنوان قبيح ملازم لقاعدة الملازمة للحرمة شرعا دخل في مسائل الفنّ لكنّه لم يكن بهذا العنوان في الكتاب وغيره (٢).
مندفعة : بما عرفت من أنّ الظنّ لم يؤخذ بنحو الجزء للموضوع ؛ لأنّ وجوب الاجتناب لنفس الخمر لا للخمر المظنون بل هو واسطة تعبّديّة لإيصال الحكم ، وهو مشترك مع العلم والقطع في الإيصال ، وإنما الفرق بينهما في أنّ حجّيّة الظنّ محتاجة إلى جعل بخلاف القطع فإنّ حجّيّته ذاتيّة بناء على عدم إمكان جعل الحجّيّة ، فكما أنّ
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٥.
(٢) نهاية الدراية ٢ : ١.