الظنّ المعتبر حجّة في الفقه فكذلك القطع بالحكم حجّة في الفقه ، وكما أنّ الظنّ المعتبر منجّز للحكم الواقعي فكذلك يكون القطع منجّزا للحكم الواقعيّ أيضا ، ولا ضير في ذلك وجود التلازم بين القطع والمنجّزيّة بناء على عدم إمكان جعل الحجّيّة وعدم وجود التلازم بين الظنّ والمنجّزيّة إلّا بالتنزيل والتعبّد.
ودعوى عدم توقّف العلم بالاقتضاء والتنجيز على منجّزيّة القطع ، كما ترى ؛ لأنّ اتّحاد القطع والمنجّزيّة بناء على عدم إمكان جعل الحجّيّة لا يوجب عدم توقّف العلم بالاقتضاء والتنجيز على منجّزيّة القطع ؛ إذ العلم بالوصول حينئذ متحد مع منجّزيّة العلم والقطع ، فكما أنّ الوصول متوقّف على العلم والقطع فكذلك الاقتضاء والتنجيز. هذا ، مضافا إلى أنّه لو قلنا بأن المنجّزيّة ليست بذاتيّة بل هي من الأحكام العقلائيّة فالأمر أوضح.
وأمّا ما يقال : من أنّ مبحث القطع ليس من مسائل علم الاصول ؛ لأنّ المسألة الأصوليّة هي ما تكون نتيجتها موجبة للقطع بالوظيفة الفعليّة ، وأما القطع بالوظيفة فهو بنفسه نتيجة لا أنّه موجب لقطع آخر بالوظيفة. وإن شئت قلت : إنّ المسألة الأصوليّة ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي بحيث لو انضمّ إليها صغراها انتجّت حكما فرعيّا ، ومن الظاهر أنّ القطع بالحكم لا يقع في طريق استنباط الحكم بل هو بنفسه نتيجة ، وبالجملة القطع بالحكم ليس إلّا انكشاف الحكم بنفسه ، فكيف يكون مقدمة لانكشافه كي يكون البحث عنه من المسائل الأصوليّة؟! (١).
ففيه : أنّ التعاريف المذكورة لموضوع علم الاصول تعاريف تقريبيّة وغالبيّة ، ومن جملتها هو التعريف بأنّ موضوع علم الاصول هو القواعد الممهّدة لأن تقع في الكبرى القياسي لاستنتاج الحكم الكلّيّ الفقهي ؛ لأنّ موضوع علم الاصول هو
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٥.