تنجّزه لا واقع التكليف ؛ إذ مع تنجّز التكليف عليه لو خالف مولاه كان بذلك قد خرج عن أدب العبوديّة واحترام مولاه ولو لم يكن تكليف في الواقع. وأدب العبوديّة حقّ للمولى على العبد ، فخلافه هتك وظلم مع قطع النظر عن الواقع. (١)
وممّا ذكر يظهر ما في فرائد الاصول حيث أنكر القبح رأسا في موارد التجرّي ، وذهب إلى أنّ الموجود فيها هو كشف سوء السريرة بالفعل.
حيث قال : إنّ الكلام في كون هذا الفعل الغير المنهيّ عنه واقعا مبغوضا للمولى من حيث تعلّق اعتقاد المكلّف بكونه مبغوضا ، لا في أنّ هذا الفعل المنهيّ عنه باعتقاده ينبئ عن سوء سريرة العبد مع سيّده وكونه جريئا في مقام الطغيان والمعصية وعازما عليه ؛ فإنّ هذا غير منكر في هذا المقام.
لكن لا يجدي فى كون الفعل محرّما شرعيّا ؛ لأنّ استحقاق المذمّة على ما كشف عنه الفعل لا يوجب استحقاقه على نفس الفعل. ومن المعلوم أنّ الحكم العقلي باستحقاق الذم إنّما يلازم استحقاق العقاب شرعا إذا تعلّق بالفعل لا بالفاعل (٢).
وذلك لما عرفت من حكم العقل باستحقاق العقوبة بمجرّد القطع بتكليف المولى والمخالفة معه سواء وافق الواقع أو لم يوافق ؛ لأن الفعل المتجرّى به مضافا إلى كونه كاشفا عن سوء السريرة مصداق للهتك والإهانة بالنسبة إلى مولاه ، وهذا بنفسه ظلم ، وهو تمام الموضوع للقبح واستحقاق العقوبة.
الأمر الثانى : في أنّ الاستحقاق المذكور هل هو على العمل المتجرّى به أو العزم المجرّد؟ ولا يخفى أنّ الفعل المتجرّي به حيث إنّه مصداق للهتك والإهانة ، يكون قبيحا ومحكوما بالحرمة.
__________________
(١) مباحث الحجج ١ : ٣٧ ـ ٣٨.
(٢) فرائد الاصول : ٥.