ولا ينافي ذلك عدم اتّصاف الفعل في نفسه بشيء من موجبات القبح أو الحرمة ، بل هو على ما عليه في نفسه ؛ إذ الفعل حيث صار مصداقا للهتك والإهانة يكون بهذا الاعتبار مبغوضا وإن لم يتغيّر وجهه في نفسه بالقطع بالخلاف ، فالفعل في نفسه كشرب الماء جائز أو محبوب ، ولكن باعتبار حدوث القطع بالخلاف وإتيانه بما يقطع بكونه معصية للمولى يصير مصداقا للهتك والإهانة ويكون قبيحا ومحرّما ، وحيث إنّ موضوع القبح والحرمة مع موضوع الحكم النفسي مختلف ، فلا منافاة ولا تضادّ بينهما ؛ لاختلاف الموضوع.
فلا وجه لما في الكفاية من اختيار كون القبيح في التجرّي هو مجرّد العزم والجزم على الجري والعمل مع بقاء المتجرّى به أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن أو القبح والوجوب والحرمة واقعا بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلّق القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة ، ولا يغيّر حسنه أو قبحه بجهة اصلا ؛ ضرورة أنّ القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن والقبح عقلا ولا ملاكا للمحبوبيّة والمبغوضيّة شرعا ، ضرورة عدم تغيّر الفعل عمّا هو عليه من المبغوضيّة والمحبوبيّة للمولى بسبب قطع العبد بكونه محبوبا أو مبغوضا له ، فقتل ابن المولى مثلا لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد العبد بأنّه عدوّه ، وكذا قتل عدوّه مع القطع بأنّه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا أبدا ، هذا (١).
وذلك لأنّ بقاء الفعل على ما هو عليه بحسب اقتضاء ذاته لا ينافي قبحه باعتبار مصداقيّته للهتك بسبب عروض القطع ، وإنّما المنافاة فيما إذا ادّعى القبح بحسب الذات ، والمفروض هو ادّعاء القبح بحسب عروض القطع بالخلاف ومصداقيّة للهتك والإهانة ، فالمصداق الخارجي له عنوانان ، ومع تعدّد العناوين لا منافاة ولا
__________________
(١) الكفاية ٢ : ١١ ـ ١٣.