كونه واجبا فإمّا أن ينظر إلى نفس الفعل وكيفيّة تأثيره في نفس المولى وكونه محبوبا له أو مبغوضا له ، وإمّا أن ينظر إلى جهة صدوره من الفاعل وجهة انتسابه إلى المولى ، فإن كان النظر على النحو الأوّل فنحن نسلّم تزاحم الجهات في حسن الفعل وقبحه ، ولعلّ الفعل بما هو يكون محبوبا للمولى مع كون العبد متجرّيا فيه لحصول قتل أعدى أعدائه ، ولكن لا ارتباط لهذا الحسن والقبح الفعلي وهذه المحبوبيّة والمبغوضيّة بباب الثواب والعقاب ، وأمّا إذا وقع النظر إلى هذا الفعل على النحو الثاني وأنّه وقع هتكا لحرمة المولى وخارجا به العبد عن رسم العبوديّة فلا محالة يحكم العقل باستحقاق العقوبة ، ولا يزاحمه في هذه الجهة جهة الواقعيّة. (١)
وقد أجاب الشهيد الصدر قدسسره أيضا عن صاحب الفصول بأنّ الحسن والقبح ليسا مجعولين من قبل العقلاء وبملاك حفظ المصلحة ودفع المفسدة ، بل هما بابان عقليّان مستقلّان عن المصلحة والمفسدة ، فربّ ما فيه مصلحة يكون إقدام المكلف عليه قبيحا ، وربّ ما فيه المفسدة يكون الإقدام عليه حسنا ، والبابان يختلفان موضوعا ومحمولا ؛ فإنّ المصلحة والمفسدة أمران واقعيّان وجوديّان ، بخلاف الحسن والقبح فإنّهما أمران ذاتيّان حقيقيّان في لوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الوجود ، كما أنّ المصلحة والمفسدة لا يشترط في تحقّقهما وموضوعهما العلم أو الالتفات ، بخلاف الحسن والقبح فإنّهما متقوّمان بذلك على ما تقدّم مفصّلا ، فلا ينبغي الخلط بينهما نعم ربّما يكون إحراز المصلحة في مورد رافعا لموضوع القبح كما في ضرب اليتيم لمصلحة تأديبيّة.
ومنه يعرف أنّ ما صنعه صاحب الفصول من التعامل مع المصلحة والقبح كأمرين واقعيين يقع بينهما الكسر والانكسار مع قطع النظر عن إحراز المكلّف
__________________
(١) نهاية الاصول ٢ : ٤١٦.