الحسنة أو القبيحة فذاتيّان ، وإن لوحظا بالنسبة إلى المعنونات والمصاديق فيختلفان بالوجوه والاعتبارات ، ومعنى كونهما ذاتيّين للعناوين أنّ بعض العناوين تكون بحيث لو جرّد النظر عن غيرها وصار النظر مقصورا على ذاتها كانت موضوعة لحكم العقل عليها بالحسن أو القبح ، فالظلم قبيح بحكم العقل والإحسان حسن بالذات ، بمعنى أنّ العقل إذا لاحظ نفس عنوان الظلم بما هو هو حكم بقبحه وإذا لاحظ عنوان الإحسان حكم بحسنه.
وأمّا المعنونات ـ أعني الأفعال الصادرة من الفواعل ـ فاتصافها بالحسن والقبح إنّما هو بانطباق تلك العناوين عليها ، فقد ينطبق عليها عنوان حسن فيحكم بحسنها ، وقد ينطبق عليها عنوان قبح فيحكم بقبحها ، وقد يتوارد عليها العنوانان فيتزاحمان ويكون الحسن والقبح تابعا لأقوى الجهتين ، وعلى فرض التساوي لا تتّصف بالقبح ولا بالحسن. (١).
ولا يخفى عليك أوّلا : أنّ التوجيه المذكور لكلام صاحب الفصول لا يساعده قوله المحكيّ إنّ قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبار ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ كلامه في العنوان لا المعنون.
وثانيا ـ كما في نهاية الأصول ـ : أنّ العناوين التي يوجب انطباقها على الأفعال استحقاق الثواب أو العقاب عبارة عن العناوين الراجعة إلى جهة المولويّة ، وهي التي تنتزع من الأفعال بجهة انتسابها إلى المولى كعنوان الظلم على المولى وصيرورة العبد بعد فعله خارجا عن رسم العبودية وكذا أضدادها الحاكية عن كيفيّة رابطة العبد مع المولى وأمّا العناوين القبيحة أو الحسنة الاخرى التى لا ترجع إلى جهة المولويّة فلا ارتباط بباب الثواب والعقاب وعليه إذا قطع العبد بحرمة فعل مثلا وأتى به واتّفق
__________________
(١) نهاية الاصول ١ : ٤١٥ ـ ٤١٦.