التجرّي عندنا ليس ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه والاعتبار ... إلى أن قال : ومن هنا يظهر أنّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمكروهات ، ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي انتهى.
حاصله : أنّ التجرّي في غير الواجب موجب لاستحقاق العقوبة من دون فرق بين أن يكون غير الواجب مباحا أو مستحبّا أو مكروها أو حراما ، بخلاف التجرّي في الواجب فإنّه لا يوجب الاستحقاق مطلقا أو في بعض الموارد من جهة تزاحم مصالح الوجوب مع مفسدة التجرّي.
أورد عليه الشيخ الاعظم قدسسره بمنع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيّا ، لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا سواء كان لنفس الفعل أو لكشفه عن كونه جريئا ، فيمتنع عروض الصفة المحسنة له ، وفي مقابله الانقياد لله تعالى سبحانه فإنّه يمتنع أن يعرض له جهة مقبّحة. (١)
أجيب عن ذلك بأنّ مراد صاحب الفصول ليس كون التجرّي على قسمين فمنه قبيح ومنه غير قبيح حتى يتوجّه عليه أنّ التجرّي قبيح ذاتا ولا أقل من كونه مقتضيا للقبح ، بل المراد أنّ الفعل المتجرّى به يجتمع فيه عنوانان قبيح وهو التجرّي وحسن وهو الصلاح الواقعيّ ، فيقع بينهما الكسر والانكسار على ما هو المطّرد في سائر الموارد فالتجرّي بما هو تجرّي قبيح ذاتا لم يتغيّر عمّا كان عليه ، وإنّما عرض للفعل عنوان آخر مزاحم لجهة التجرّي ، فكان اللازم منه ما عرفت. (٢)
وقال ايضا في نهاية الاصول أنّ الحسن والقبح إن لوحظا بالنسبة إلى العناوين
__________________
(١) فرائد الاصول : ٦.
(٢) الوقاية : ٤٦٠ ـ ٤٦١.