فما نرى في كلمات المشايخ من القول بأنّ الشارع جعل المؤدّى منزلة الواقع تارة أو تمّم كشفه أو جعل الظنّ علما في مقام الشارعيّة أو أعطاه مقام الطريقيّة وغيرها لا تخلو عن مسامحة ؛ فإنّها أشبه شيء بالخطابة ، ولم يكن عمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الأمارات إلّا جرياً على المسلك المستقرّ عند العقلاء بلا تأسيس أمارة أو تتميم كشف لها أو جعل حجّيّة وطريقيّة لواحد منها ، بل في نفس روايات خبر الثقة شواهد واضحة على تسلّم العمل بخبر الثقة ، ولم يكن الغرض من السؤال إلّا العلم بالصغرى وأنّ فلانا هل هو ثقة أولا؟
وعليه فالعمل بالأمارات عند فقد القطع الطريقي أو القطع الموضوعيّ المأخوذ بما أنّه أحد الكواشف سواء كان مأخوذا في الموضوع تماما أو جزء ليس إلّا لكونها إحدى الأفراد التى نتوصّل بها إلى إحراز الواقع من دون أن يكون نائبا أو فرعا لشيء أو قائما مقامه. (١)
فتحصّل : أنّه لا مانع من قيام الأمارات مقام القطع الطريقيّ المحض عند فقده أو القطع المأخوذ موضوعا لحكم آخر على وجه الطريقية ؛ لأنّ القطع المجرد أو المأخوذ يكون بما هو طريق منجّزا للواقع أو موضوعا لحكم من الأحكام ، والأمارة أيضا من الطرق ، فيفيد ما أفاد القطع فيتنجّز الواقع ويحقّق بها الموضوع. وأمّا القطع المأخوذ بنحو الصفتيّة أي الكشف التامّ فلا يقوم مقامه أمارة بأدلّة اعتبارها ؛ إذ لا تفيد كشفا تامّا. ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون تمام الموضوع أو جزئه كما لا يخفى.
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٣٥ ـ ٣٧.