وأضاف إليه بقوله : بأنّه لا يستفاد من السيرة العقلائيّة على حجّيّة الأمارات أكثر من قيامها مقام القطع الطريقي في التنجيز والتعذير ؛ لأنّ العقلاء ليست لهم أحكام يؤخذ فيها القطع موضوعا بنحو شايع معروف بحيث تنعقد سيرتهم على معاملة الأمارات في موارد تلك الأحكام معاملة القطع الموضوعي. (١)
ولكن يمكن أن يقال :
أوّلا : إنّ إمضاء ما عليه العقلاء لا ينافي شرعيّة الدليل ، كما أنّ البيع من الامور العقلائيّة ، ومع ذلك يؤخذ بإطلاق قوله (أحلّ الله البيع) في موارد الشكوك الشرعيّة ، وهكذا في المقام يمكن أن يؤخذ بالإطلاقات الإمضائيّة.
لا يقال : إنّ المعتبر نفس بناء العقلاء ، لا إطلاق دليل الإمضاء.
لأنّا نقول : إمضاء بناء العقلاء ، غير الإرشاد إلى بناء العقلاء وكم من فرق بينهما؟! إذ الإرشاد تابع لما يرشد إليه. وأمّا الإمضاء فإطلاقه وتقييده منوط بكيفيّة إمضاء الشارع ، فلا تغفل.
وثانيا : إنّ محلّ الكلام هو ما إذا اخذ في موضوع الحكم القطع بعنوان أنّه أحد الطرق ، لا بعنوان صفتيّة القطع أو تمامية الكشف ، فإذا قامت السيرة العقلائيّة على طريقيّة أمارة كفى ذلك لقيامها مقام القطع الموضوعي أيضا بعد كون السيرة العقلائيّة ممضاة في الشرع أيضا.
ودعوى : أنّ انعقاد السيرة على اعتبار الأمارة علما في الأحكام الشرعيّة التي قد اخذ في موضوعها القطع الموضوعي غير معقول في نفسه ، فإنّ شأن كلّ مشرّع أن يتصرّف في دائرة تشريع نفسه ، لا أحكام غيره (٢).
__________________
(١) المصدر السابق : ٨٤.
(٢) مباحث الحجج ١ : ٨٥.