والمانع من الأخذ بهذا الظهور إنّما هو لزوم اللغويّة ، وهي لا تلزم إلّا فيما لا ينتهي إلى ترتّب أثر أصلا ، وأمّا في ما نحن فيه ممّا يترتّب على القطع به أثر شرعيّ فليس تنزيل المؤدّى منزلة الواقع لغوا محضا. وعليه فدلالته على تنزيل القطع بالمؤدّى منزلة القطع بالواقع وإن كانت موقوفة على دلالته على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع قضاء لحقّ التلازم إلّا أنّ دلالته على تنزيل المؤدّى لا تتوقّف إلّا على الظهور في الشمول ، فلا دور (١).
وكيف كان تمّ هذا الاستدلال أو لم يتمّ فقد عرفت إمكان قيام الأمارات والاصول المحرزة مقام القطع الموضوعي سواء أخذ بنحو تمام الموضوع أو جزئه إذا اخذ القطع بعنوان أحد الطرق لا بعنوان صفة القطع أو الكشف التامّ.
نعم ذهب السيّد الشهيد الصدر قدسسره إلى أنّ هذا الاتّجاه للبحث خطأ من أساسه ؛ لأنّه يفترض وكأنّنا نتعامل مع دليل لفظيّ من أدلّة الحجّيّة لنمتحن قدرته على التنزيل ، مع أنّ مهمّ دليل الحجّيّة عندنا هو السيرة العقلائيّة ، فإنّ أهمّ الأمارات في الشبهات الحكميّة الظهور وخبر الثقة ، ومن الواضح أنّ مهمّ الدليل على حجّيّتهما السيرة العقلائيّة ، وأمّا الأدلّة اللفظيّة الواردة في هذا المجال كلّها مسوّقة مساق الإمضاء لما عليه السيرة ، فمنهج البحث ينبغي أن يكون مراجعة السيرة وتحديد مفادها لنرى هل أنّ العقلاء بناؤهم قد انعقد على إقامة الأمارة مقام القطع الطريقيّ فقط أو هو مع الموضوعي ، ولا حاجة بعد ذلك إلى دفع إشكال ثبوتيّ ، إذ لسنا نواجه خطابا لفظيّا واحدا ليقال على فرض استحالة الجمع بين التنزيلين في خطاب واحد بعدم إمكانه ثبوتا ، فالبحث إثباتيّ محض. (٢)
__________________
(١) تسديد الاصول ٢ : ٢٣.
(٢) مباحث الحجج ١ : ٨٤.