تحقّق الموضوع لا ينفكّ عن الفعليّة ، فلا يصحّ جعل العلم بمرتبة من الحكم موضوعا لمرتبة اخرى من نفس الحكم سواء قلنا بالمراتب أو لم نقل.
نعم يجوز أن يجعل الشارع العلم بمرتبة من الحكم موضوعا للحكم الفعلي المماثل أو المضادّ أو المخالف ، فإنّه تابع لجعل الشارع كما لا يخفى.
والعجب ممّا في مصباح الاصول حيث قال : ما ذكره صاحب الكفاية صحيح على مسلكه من أنّ للحكم مراتب أربع الاقتضاء والإنشاء والفعليّة والتنجّز ؛ إذ لا محذور في أخذ القطع بحكم إنشائي محض في موضوع حكم فعلي ، بلا فرق بين أن يكون الحكم الفعلي هو نفس الحكم الإنشائي الواصل إلى مرتبة الفعليّة أو يكون مثله أو ضدّه ، ولا يتصوّر مانع من أن يقول المولى : إذا قطعت بأنّ الشيء الفلاني واجب بالوجوب الإنشائيّ المحض وجب عليك ذلك الشيء فعلا أو حرم عليك فعلا (١).
لما عرفت من أنّ الموضوع إن لم يتحقّق في المقطوع الإنشائي لا يترتّب عليه نفس الحكم ، وإلّا لزم الخلف في اعتبار الموضوع ، وإن تحقّق الموضوع لا ينفكّ العلم به عن الفعليّة ، فلا حاجة إلى ترتّب الفعليّة عليه ، فلا تغفل.
والمثال المذكور أيضا كذلك ، فإنّ الشيء الفلاني يجب على من يكون كذا وكذا ، والعلم بالحكم الإنشائي إمّا قبل أن يكون كذا وكذا أو بعده فيجئ فيه الكلام المذكور كما لا يخفى.
فتحصّل : أنّ أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة اخرى من نفسه غير معقول ، وأمّا أخذ مرتبة من الحكم في مثله أو ضدّه ممكن ؛ لإمكان أن يكون الإنشاء بداعي جعل الداعي المقطوع به منوطا شرعا بأمر هو غير حاصل ، ولذلك لم يبلغ إلى مرتبة الفعليّة ، ولذا يجتمع مع الحكم الفعلي المماثل أو المضادّ له فعلا ، فإنّ
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٤٦.