وعدم وحدته ، ومن قام عنده البرهان الرياضى على أنّ زوايا المثلّث مساوية لقائمتين يمتنع مع وجود هذه المبادئ عقد القلب على عدم التساوي ، فكما لا يمكن الالتزام على ضدّ أمر تكوينيّ مقطوع به ، فكذلك لا يمكن عقد القلب على ضدّ أمر تشريعيّ ثبت بالدليل القطعي.
نعم لا مانع من إنكاره ظاهرا وجحده لسانا ، لا جنانا واعتقادا ، وإليه يشير قوله عزوجل : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(١).
وما يقال من أنّ الكفر الجحوديّ يرجع إلى الالتزام القلبي على خلاف اليقين الحاصل في نفسه فاسد جدّا. (٢)
وذلك ؛ لأنّ ما لا يكون اختياريا هو العلم لا عقد القلب ، فمن قام البرهان عنده على أنّ زوايا المثلّث مساوية لقائمتين لا ينفكّ ذلك عن العلم بأنّ زوايا المثلّث كذلك ، فهو مع هذا العلم إمّا يبني عليه في أموره وإمّا لا يبني عليه ، وعلى الأوّل هو يعقد القلب عليه ويخضع ، وعلى الثاني لا يفعل ذلك ، وكلّ منهما يقع بالاختيار ؛ ولذلك قد نرى بعض الأطبّاء أنّه مع علمه بضرر بعض الاشياء كالخمر أو التتن ونحوهما لا يعقد قلبه عليه ويعمل على خلافه ويكون مبتلى بالأمور المذكورة ، وهكذا نرى بعض الناس مع علمه بأنّ الميّت لا يضرّ بالإنسان لا يخضع لذلك العلم ويفرّ عنه ويخاف منه ، وليس ذلك إلّا لأنّه لا يخضع قلبه بعلمه. وعليه فالمراد من الكفر الجحوديّ هو عدم الالتزام القلبي وعدم خضوعه لعلمه كما لا يخفى.
والحاصل : أنّ الكلام في أنّ القطع بالتكليف كما يقتضي وجوب الموافقة العمليّة هل يقتضي وجوب الالتزام القلبي وخضوعه على العمل به في الفروعات كالأصول
__________________
(١) نمل : ١٤.
(٢) تهذيب الاصول ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.