ولعلّه لذلك حكم عرف العقلاء بعدم معذوريّة الجاهل المركّب والوكيل الذي اشترى شيئا بأزيد من قيمته السوقيّة مستندا إلى قطعه بأنّ الثمن يساوي القيمة السوقيّة مع التفاته بأنّ قطعه غير ناش عن سبب متعارف. وهكذا لا وقع عند عرف العقلاء لقطع غير ذي خبرة في الفنّ ، بل يرونه مقصّرا لو عمل بقطعه مع علمه بكونه غير ذى خبرة في الفنّ ، وليس هذه الامور إلّا لعدم تنجيز القطع فيما إذا كان سببه موهونا أو منهيّا عنه وقصّر فيه.
وقد انقدح من جميع ما ذكر جواز أن يمنع الشارع عن المنجّزيّة أي اتباع القطع الطريقي فيما إذا كان المقطوع معنونا بعنوان مزاحم أهمّ كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى القطع إذا كان حاصلا من الوسوسة أو القياس لورود أخبار دالّة على نهي الوسواسي عن العمل بوسواسه أو نهي القياسي عن العمل بالقياس والاستحسانات ، كما أنّ القاطع المقصّر لا يكون معذورا بعد سلوكه طريقا من الطرق المنهيّة ، فالقطع الطريقي إذا كان مع عنوان مزاحم لا منجّز ولا معذّر.
فإذا عرفت ذلك فلا وجه للتفصيل بين جهة المعذوريّة وجهة المنجّزيّة ، كما يظهر من نهاية الأفكار حيث قال : ليس حكم العقل بلزوم اتّباع القطع ، إلّا على نحو التنجيز الغير القابل للمنع عنه بشهادة ارتكاز المناقضة الكاشف إنّا عن كون حكمه بلزوم اتّباع القطع على نحو التنجيز والعلّيّة التامّة نظير كشف التبادر عن ثبوت الوضع ؛ إذ المناقضة المزبورة الارتكازيّة ثبوتا من توابع تنجيزيّة حكم العقل. وعلى ذلك فمتى حصل القطع يتّبعه حكم العقل التنجيزيّ بوجوب الموافقة سواء كان حصوله من المقدّمات العقليّة النظريّة أو الضروريّة أو الأدلّة السمعيّة وسواء كان القاطع قطّاعا أو غيره ؛ لاستواء الجميع بنظر العقل.
نعم يمكن أن يفرق بين القطع الناشئ عن تقصير المكلّف في مقدّمات حصول قطعه وبين غيره في جهة معذوريّته عند مخالفة قطعه للواقع ؛ بدعوى عدم معذوريّة