العقليين إلّا أحد الأمرين. نعم العقل يحكم بأنّ الأحكام الشرعيّة لم تنبعث إلّا عن حكم ومصالح خاصّة راجعة إلى المكلّفين بها ، فالحكم بالعلّة لمكان إحراز المعلول أمر والحكم بالحسن والقبح العقلائيين أمر آخر. (١)
يمكن أن يقال : إنّ العقل يحكم بالحسن والقبح ولو لم يكن نظام واجتماع ، ولا يتوقّف حكمه بحسن العدل وقبح الظلم على وجود الاجتماع وتطابق آرائهم على حسن المصالح العموميّة التي بها يحفظ النظام ويبقى بها النوع أو على قبح المفاسد التي بها يختلّ النظام وينعدم بها النوع.
بل العقل كان يبتهج من العدل ويشمئزّ من الظلم قبل الاجتماع وتطابق الآراء.
ووجه ذلك : أنّ الظلم نقص ، والنقص لا يكون سنخا لكمال العقل ولذا يتنفّر منه والعدل كمال والكمال يكون سنخا لكمال العقل ولذا يعجبه ، والاشمئزاز والابتهاج لا يختصّان بأفراد من الإحسان والإساءة والظلم والعدل ؛ لأنّهما يكونان بالنسبة إلى كليّ الظلم والعدل والإساءة والإحسان ، كما يشهد به الوجدان.
وعليه فلا وجه لتخصيص التحسين والتقبيح العقليين بموارد القضايا المشهورة ، بل يحكم العقل بهما إجمالا بعد اطّلاعه وكشفه الإجمالي عن وجود المصالح أو المفاسد الموجبة للحكم الشرعي ، ولا يلزم في التحسين والتقبيح العقليين وجود المصالح التي بها يحفظ النظام ويبقى بها النوع كما هو المقرّر في القضايا المشهورة.
هذا مضافا إلى أنّ مقتضى أصالة أنّ كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات أنّ التحسين والتقبيح في القضايا المشهورة يرجعان في النهاية إلى صفتي النقص أو الكمال الموجبة للملائمة مع النفس أو المنافرة لها المقتضيتين لصحّة المدح أو الذمّ ، وإلّا لزم
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ١٣١ ـ ١٣٢.