بخلاف الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري في الشبهات البدويّة ؛ فإنّه لا تنافي بينهما لا من ناحية المنتهى ولا من ناحية المبدأ ، أمّا من ناحية المنتهى فلأنّ الحكم الظاهري موضوعه الشكّ في الحكم الواقعي وعدم تنجّزه لعدم وصوله إلى المكلّف ، فما لم يصل الحكم الواقعي إلى المكلف لا يحكم العقل بلزوم امتثاله ، فلا مانع من امتثال الحكم الظاهري ، وإذا وصل الحكم الواقعي إلى المكلّف وحكم العقل بلزوم امتثاله لا يبقى مجال للحكم الظاهري لارتفاع موضوعه بوصول الواقع.
وأمّا ناحية المبدأ فلأنّ المصلحة في الحكم الظاهري إنّما تكون في نفس الحكم لا في متعلّقه كما في الحكم الواقعي سواء كان الحكم الظاهري ترخيصا لمجرد التسهيل على المكلّف أو إلزاميّا لغرض آخر من الأغراض ، فلا يلزم من مخالفته للحكم الواقعي اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد.
نعم يرد النقض بالشبهة غير المحصورة ؛ لوصول الحكم الواقعي فيها أيضا بالعلم الإجمالي ، ومجرّد قلّة الأطراف وكثرتها لا يوجب الفرق في حكم العقل بلزوم الامتثال ، ولكن حيث لم يقدر المكلّف على الإتيان بجميع الأطراف في الشبهة الوجوبيّة أو على ترك جميع الأطراف في الشبهة التحريميّة أو كان فيه ضرر أو حرج على المكلّف لا يكون العلم الإجمالي منجّزا ؛ إذ لا يكون امتثال الحكم الواقعي حينئذ لازما لعدم التمكّن منه أو لكونه ضررا أو حرجا ومع عدم لزوم امتثاله لا مانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي. (١)
ويمكن أن يقال : أوّلا : إنّا نمنع عدم الفرق في حكم العقل بلزوم الامتثال بين وصول الحكم بالعلم التفصيلي والإجمالي ؛ لشوب العلم الإجمالي بالشكّ دون العلم التفصيلي ، وهو يوجب أن يكون التنجيز فى الحكم الإجمالى بنحو الاقتضاء دون
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٧٣ ـ ٧٤.