استقرار سيرتهم عليها وتبعهم الشارع أيضا وأمضاه بمعنى أنّه سكت ولم يردع عنه مع أنّ ذلك بمرأى ومنظره لا أنّه جعل الحجّيّة والطريقيّة لها وليس بناء العقلاء على جعل حجّيّتها أوّلا ثمّ العمل بها كما هو واضح فليس في الأمارات جعل أصلا وأبدا.
الثاني : أنّه على فرض تحقّق الجعل فيها يكون المجعول هو الحكم التكليفى لا الحجّيّة والطريقيّة لعدم دليل على ذلك إلّا الروايات الواردة في مقام الأمر بأخذ الشرائع وتلقّى الأحكام من مثل يونس بن عبد الرحمن وزرارة وزكريّا بن آدم وأمثالهم المستفاد منها إيجاب العمل بقولهم وأخبارهم فتنزع من هذا الإيجاب الشرعيّ الحجّيّة والوسطيّة ولا يكفي في المقام إثبات جعل الوسطيّة والطريقيّة ما لم يدلّ الدليل على وقوعه في الشريعة المقدسة.
الثالث : أنّه لو سلّمنا ذلك كان إشكال ابن قبة وهو لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال باق بحاله ولا يدفع بذلك لما ذكرنا في تقريب الإشكال من أنّ جعل حجّيّة الخبر الذي قد يؤدّى إلى مخالفة الواقع يضادّ الحكم الواقعي.
وأمّا قياس الأمارات بالعلم فهو ممنوع فإنّ طريقية العلم والعمل على طبقه تكوينيّة ، وليست بجعل الشارع حتّى يلزم التضادّ في صورة المخالفة بخلاف الأمارات لو قلنا : بأنّها مجعولة أو أذن الشارع في العمل بها (١).
لا يقال إنّ إمضاء بناء العقلاء على لزوم العمل بالأمارات أيضا قد يؤدّي إلى خلاف الواقع لأنّا نقول : نعم ولكن لا مانع منه بعد حمل الواقعيّ على الشأني حيث إنّ الأمر دائر بين وقوع المفسدة العظيمة التي تصير سببا لإهمال جميع الأحكام وبين جعل التعبّد بالأمارات والإغماض عن الحكم الواقعيّ في بعض الموارد التي لا تصادف الأمارة الواقع ورفع اليد وصرف النظر عنه مع وجوده واقعا وعدم تغيّره عمّا هو
__________________
(١) تنقيح الاصول : ٣ ، ٩٨ ـ ٩٧.