الاستدلال على جواز التفكيك بوجوب الاحتياط في الشبهات البدويّة كلّها أو بعضها فإنّه حجّة على الواقع مع أنّه لا يصحّ معه الانتساب.
ويمكن الجواب عنه أيضا كما أفاد سيدنا الإمام المجاهد قدسسره بأنّ مع الشكّ في الشبهات البدويّة واحتمال أن يكون البيان موجودا فى الكتب المعدّة للبيان ليست قاعدة قبح العقاب بلا بيان محكّمة ؛ لاحتمال وجود البيان ، وهو حجّة على الواقع دون الشكّ ، ومعه يرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وهكذا مع وجوب الاحتياط يرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ فإنّ وجوب الاحتياط حكم عقليّ. (١)
وبالجملة لا بأس بتقرير الأصل في المسألة بما ذكره الشيخ الأعظم قدسسره في فرائد الاصول بعد كون مختاره أنّ الحجّيّة غير مجعولة بنفسها ، نعم يمكن المناقشة في بعض استدلالاته ، كاستدلاله بقوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ). (٢)
بأنّ الافتراء كما في تهذيب الاصول عبارة عن الانتساب إلى الله تعالى عمدا وكذبا إذ الافتراء لغة هو الكذب لا انتساب المشكوك فيه إليه ، وعليه فلا يعمّ الافتراء المذكور في الآية لمثل المقام من المشكوكات.
ولكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ حرمة انتساب المشكوك إليه تعالى من الواضحات ، ويدلّ عليها مضافا إلى حكم العقل والعقلاء بقبح الانتساب بغير علم خصوصا إلى الله تعالى الآيات والروايات المتعدّدة : منها قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣).
وكيف كان فالأولى أن يقال ـ بعد ما عرفت من معقوليّة جعل الطريق وكونه
__________________
(١). تهذيب الاصول ٢ : ٨٦ ـ ٨٨.
(٢) يونس : ٥٩.
(٣) الاعراف : ٣٣.