عن أحد من الثقات غير شريك » ولا يخفى الفرق بين الكلامين على ذوي الفضل والنظر الدقيق.
وعلى كلّ حال ... فإنّ هذا الكلام لا يقتضي قدحا في حديث « أنا دار الحكمة وعلي بابها » ، إذ لو سلّم ذلك كان هذا الحديث من أفراد شريك ، وهذا لا يمنع صحته أو حسنه ، ولهذا قال الترمذي نفسه ـ فيما نقله عنه المحبّ الطبري ـ حديث حسن ... وقال العلائي : « وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي ، احتج به مسلم وعلّق له البخاري ، ووثّقه يحيى بن معين ، وقال العجلي : ثقة حسن الحديث ، وقال عيسى بن يونس : ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك ، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا » وقال الفيروزابادي : « وشريك هذا احتج به مسلم ، وعلّق له البخاري ، ووثّقه ابن معين والعجلي وزاد : حسن الحديث ، وقال عيسى بن يونس : ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك ، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا ».
على أنّه قد علمت سابقا أنه قد رواه غير شريك من الثقات.
ومن عجائب الأمور تحريف بعض الزائغين لهذه العبارة أيضا من كلام الترمذي ، فإنّهم لما رأوا أنّ هذه العبارة تدلّ على ثبوت هذا الحديث واعتباره ، بدّلوا كلمة « غير شريك » إلى « عن شريك » ... جاء ذلك في المرقاة بشرح كلام الترمذي هذا حول حديث أنا مدينة العلم : « ولا نعرف » أي نحن « هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك » بالنصب على الاستثناء ، وفي نسخة بالجر على أنه بدل من أحد. قيل : وفي بعض نسخ الترمذي : عن شريك بدل غير شريك ، والله أعلم » (١).
__________________
(١) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥١٢.