فانصرف معاذ الى بني سلمة فقال له قائل : يا أبا عبد الرحمن ، لو سألت رسول الله ، فقد أصبحت اليوم معدما. قال : ما كنت لأسأله. قال : فمكث يوما ، ثم دعاه رسول الله فبعثه إلى اليمن وقال : لعلّ الله يجبرك ويؤدّي عنك دينك.
قال : فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن الخطاب ـ استعمله أبوبكر على الحج ـ فالتقيا يوم التروية بمنى ، فاعتنقا وعزّى كلّ واحد منهما صاحبه برسول الله ، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان ، فرأى عمر عند معاذ غلمانا فقال : ما هؤلاء يا أبا عبد الرحمن؟ قال : أصبتهم في وجهي هذا. فقال عمر : من أيّ وجه؟ قال : أهدوا إليّ وأكرمت بهم فقال عمر : أذكرهم لأبي بكر. فقال معاذ : ما ذكري هذا لأبي بكر؟ ونام معاذ ، فرأى في النوم كأنّه على شفير النّار وعمر آخذ بحجزته من ورائه يمنعه أن يقع في النار ، ففزع معاذ فقال : هذا ما أمرني به عمر. فقدم معاذ ، فذكرهم لأبي بكر ، فسوّغه أبوبكر ذلك وقضى بقيّة غرمائه وقال : إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لعلّ الله يجبرك » (١).
أقول : وهذه القصّة فيها دلالة واضحة على جهل معاذ بالحلال والحرام ، وعدم تورّعه في جمع الأموال ، وحينئذ لا يعقل أن يصدق في حقه كونه أعلم الأصحاب والأمّة بالحلال والحرام.
وممّا يضحك الثكلى وضع بعض أسلاف القوم حديثا في حماية معاذ وذبّ هذه المنقصة المذكورة عنه ... وذلك ما جاء في ( الاصابة ) بترجمة معاذ وهذا
__________________
(١) الطبقات ٣ / ٥٨٧.