لكنّ ابن الأثير حرّف الرواية وأسقط منها جملة « قال : امضوا ثكلتكم أمّهاتكم ... » لأنّه كلام شديد قاله عمر للأصحاب ، تشفيا من قول أبي بكر له : « ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطاب ».
ولمّا كانت القصّة ـ على كلّ حال ـ تدلّ على غلظة الرجلين وشدّتهما وعدم رأفتهما فقد رواها ابن خلدون محرفة محوّرة فقال : « ووقف أسامة للناس ورغب من عمر التخلّف عن هذا البعث ، والمقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر. وقالت له الأنصار : فإن أبى إلاّ المضيّ فليولّ علينا أسنّ من أسامة. فأبلغ عمر ذلك كلّه أبابكر. فقام وقعد وقال : لا أترك أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أخرج وأنفذه » (١) فانظر كيف جعل جملة « فقام وقعد وقال ... » مكان : « فوثب أبوبكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر ... »!!
وما أكثر صنائع يد الأمانة!! من نظائر المقام ...
وما ذكرنا بعض الأدلّة والشواهد على أنّ أبابكر ارحم الأمة بالأمة!!! وسبب وقوع هذه الصّنائع القبيحة منه ـ بالإضافة إلى قساوته الطبيعيّة وجفائه الباطني ـ شيطانه الذي كان يعتريه ويتخبّطه من المسّ ، وهذا أمر قد اعترف به على رءوس الأشهاد في أوّل خطبة خطبها ... قال الحافظ جلال الدين السيوطي : « أخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال : لما بويع أبوبكر قام خطيبا فقال : أمّا بعد فإنّي وليّت هذا الأمر وأنا له كاره ، والله لوددت أنّ بعضكم كفانيه ، ألا وإنّكم إن كلّفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم أقم به ، كان رسول الله عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به ، ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني ، وإذا رأيتموني زغت
__________________
(١) تاريخ ابن خلدون ٤ / ٨٥٦.